عن بعض عبيده أقبح الذنوب، وأفحش الأعمال، ثم يذكره بالمدح العظيم، والثناءِ البالغ عقيبه، فإنَّ ذلك متسنكرٌ جدًّا، فكذا هاهنا. اهـ
أما ما يتوهمه البعض من قول نبي الله يوسف: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)
ويستدل به على أنه لا مانع من تفكير الخاطر بالفاحشة بطبعه البشري!!
فليكمل قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
ليعلم أولاً أن هذا في موقف النسوة وليس في موقف امرأة العزيز، والفرق واضح ..
وثانيا: يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (15/ 130):
وَفِي قَوْلِ يُوسُفَ: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} عِبْرَتَانِ: " إحْدَاهُمَا " اخْتِيَارُ السَّجْنِ وَالْبَلَاءِ عَلَى الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي. والثَّانِيَةُ " طَلَبُ سُؤَالِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ أَنْ يُثَبِّتَ الْقَلْبَ عَلَى دِينِهِ وَيَصْرِفَهُ إلَى طَاعَتِهِ وَإِلَّا فَإِذَا لَمْ يُثَبِّتْ الْقَلْبَ صَبَا إلَى الْآمِرِينَ بِالذُّنُوبِ وَصَارَ مِنْ الْجَاهِلِينَ. فَفِي هَذَا تَوَكُّلٌ عَلَى اللَّهِ وَاسْتِعَانَةٌ بِهِ أَنْ يُثَبِّتَ الْقَلْبَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَفِيهِ صَبْرٌ عَلَى الْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ وَالْأَذَى الْحَاصِلِ إذَا ثَبَتَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ. اهـ
ومما لا شك فيه أنه ما من مخلوق من إنس وجان إن لم يعصمه ربه غوى وضل ..
فما بالنا بنبي هو الصديق، ومن عباد الله المخلصين صرح الله أنه (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ..
والله أعلى وأعلم.
وبعد:
فهذه عجالة ما تسنى لي التعليق عليه في تفسير هذه الآية الكريمة على ضوء ما قرره الإمام ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل ..
فإن كان صوابا فمن الله تعالى، وإن كان غير ذلك فنسأل الله العفو والعافية، وأن يعلمنا ويلهمنا الرشد والصواب ..
ـ[أبو السها]ــــــــ[24 - 05 - 09, 05:45 م]ـ
جزاك الله أخانا الفاضل عادل، ويحسن بنا هنا أن نورد رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وهو من أحسن التفاسير لهذه الآيات المتعلقة بهم نبي الله يوسف ععليه السلتام، يقول رحمه الله (مجموع الفتاوى:5/ 249)
والله تعالى لم يذكر في القرآن شيئا من ذلك عن نبي من الأنبياء إلا مقرونا بالتوبة والاستغفار كقول آدم وزوجته: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وقول نوح: {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} وقول الخليل عليه السلام: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} وقوله: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} وقول موسى: {أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين * واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك} وقوله: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} وقوله: {فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} وقوله تعالى عن داود: {فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} وقوله تعالى عن سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}
وأما يوسف الصديق فلم يذكر الله عنه ذنبا فلهذا لم يذكر الله عنه ما يناسب الذنب من الاستغفار بل قال: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} فأخبر أنه صرف عنه السوء والفحشاء وهذا يدل على أنه لم يصدر منه سوء ولا فحشاء
وأما قوله: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} فالهم اسم جنس تحته نوعان كما قال الإمام أحمد الهم همان: هم خطرات وهم إصرار وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم [أن العبد إذا هم بسيئة لم تكتب عليه وإذا تركها لله كتبت له حسنة وإن عملها كتب له سيئة واحدة] وإن تركها من غير أن يتركها لله لم تكتب له حسنة ولا تكتب عليه سيئة ويوسف صلى الله عليه و سلم هم هما تركه لله ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه وذلك إنما يكون إذا قام المقتضى للذنب وهو الهم وعارضه الإخلاص الموجب لإنصراف القلب عن الذنب لله
فيوسف عليه السلام لم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها وقال تعال: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}
وأما ما ينقل: من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة يعقوب عاضا على يده وأمثاله ذلك فكله مما لم يخبر الله به ولا رسوله وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبا على الأنبياء وقدحا فيهم وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه و سلم حرفا واحدا
¥