تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد الافتتاحية وذكر السبب الداعي إلى تأليف الكتاب الذي كان بطلب من أحد أبناء ميورقة الذين غادروها بعد سقوطها ولجؤوا إلى ديار الغربة، يستهل المؤلف حديثه عن واليها قائلاً: "هو محمد بن علي بن موسى (22)، وكان في الدولة المهدية (الموحدية) أحد أعيانها الكفاة، وأحمد من نهض بأعبائها من الولاة، إلى أن حط عن رتبته، وجوز إلى الأندلس في نكبته، ثم استقل بعض الاستقلال، وولي بلنسية وما إليها من الأعمال، وبعد ذلك بيسير تبادل هو ووالي ميورقة محلي الولاية، وأحدهما كفء الآخر في الكفاية، فعبر البحر إليها سنة 606هـ" (23). ثم يواصل الكلام عن سيرة هذا الوالي وعَدْله وكيف نعمت الرعية في عهده، إلى أن آثر حطام الدنيا وصار منهوماً لا يشبع من المال.

ثم يشرع في تفصيل أسباب الغزو الإسباني لميورقة ومقدماته، لأن أمراء الممالك الإسبانية كانوا دائماً يتوقون إلى افتتاح هذه الجزيرة، ووضع حد لغزوات ولاتها المسلمين في مياه الشواطئ الإسبانية. وكان أشدهم رغبة في ذلك أصحاب أراجون الذين كانوا يرون من حقهم الطبيعي الاستيلاء عليها، لأنها كانت تواجه شواطئهم، وذلك تأميناً لمواصلاتهم وتجارتهم.

ومن ذلك أن والي ميورقة احتاج إلى الخشب المجلوب من جزيرة يابسة، فأنفذ طريدة بحرية ومعها قطعة حربية، فعلم بخبرها تجار للأسبان كانوا هنالك في قارب، فأسرعوا بالخبر إلى والي طرطوشة الذي جهّز أربع قطع بحرية قامت بملاحقة الطريدة حتّى اقتنصتها. فعظم ذلك على الوالي وحدّث نفسه بالغزو لبلاد الروم، وبعث إلى ملك أراجون يطلبه برد الطريدة ويتوعده بالنكايات الشديدة، ولم يذكر المؤلف تاريخ هذه الأحداث.

وفي آخر ذي الحجة من سنة 623هـ بلغ الوالي أن مسطحاً من برشلونه ظهر على يابسة، ومركباً آخر من طرطوشة انضم إليه، فبعث أحد بنيه في عدة قطع حربية للاستيلاء عليه. وخرج حتّى نزل مرسى يابسة فوجد فيه لأهل جنوة مركباً كبيراً فأخذه ليستظهر به في القتال. أمَّا المسطح فرغم حجز المسلمين له إلا أنه اغتنم فرصة انشغالهم وأفلت من قبضتهم، وأما المركب فقد استولوا عليه وكان فيه أربعة من جنوة هم أشهر أهلها يساراً وثروة. وقد ازداد الوالي بهذه الحملة البحرية الخاطفة اعتزازاً إذ "عاد إلى ميورقة وهو يرى أنه غالب لملوك الزمن، بالغ بسيفه ما لم يبلغه سيف بن ذي يزن، وغاب عنه أنه أشأم من عاقر الناقة، وأن طليعة عمله ستلحقها من الساقة ما ليس في الطاقة" (24).

وحين علم نصارى أراغون بالخبر قالوا لملكهم خايمي الأول كيف يرضى بهذا الأمر، وإنما هي خطتان إما سلم يقبلونها على كره، أو حرب لا يدعون فيها من وجوه النظر أي وجه. فأخذ الملك عليهم العهود وأنفذ إلى ميورقة كبيراً من قومه يطلب من الوالي رد المركب والمال والأسرى ويعرض عليه الصلح، وإن أبى فإنها الحرب لا محالة. فرفض الوالي ما عرض عليه وتوعد الملك الذي أساء معه الأدب. فرجع الرسول وأخبر ملكه بما سمع، فبدأ الاستعداد للغزو حيث حشد ملك أراجون عشرين ألفاً من أهل البلد، وجهّز في البحر ستة عشر ألفاً، وجميع ما يلزم الغزو من تجهيزات حربية. ولما رأى النصارى عزم ملكهم على الغزو حاولوا أن يمنعوه من ذلك وخوفوه من مغبّة الأمر وبيّنوا له حصانة الجزيرة ومناعتها، ولكنه "زجرهم عن هذا الرأي، ونهاهم أن يتكلموا به أشد النهي، ومضى على عزمه في الاستعداد الذي لم يفتر عنه ساعة، ولا أخرج عن فرضية العيني والجملي واحداً ولا جماعة، حتّى استوفى النخبة من الرجال والأجناد والزعماء، وتمَّ له ما أراد من جيش البر وعسكر الماء" (25).

وفي سنة 626هـ اشتهر أمر هذه الغزوة، وتواترت الأنباء بها من الأندلس والعدوة، وفي شهر ربيع الأول منها تحرّك والي ميورقة للاستعداد وتأهب للجهاد، وميّز من قومه ومن فئة الأجناد أكثر من ألف فارس ومن فرسان الحضر والرعية مثلهم ومن المشاة ثمانية عشر ألفاً. وفي شعبان من السنة نفسها استدعى أهل البادية ولم يرخص لأي كان في التخلّف عن الجهاد، وضبط المراسي والسواحل وقدم على كل جزء قائداً وناظراً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير