تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن سرعان ما دب الشقاق في صفوف الجيش الإسلامي بميورقة بين قوم الوالي وطائفته وبين الجماعة الأندلسية، لأنَّ طائفة الوالي كانت دائماً توغر صدره وتدفعه للانتقام من الأندلسيين. ولما هال هؤلاء ما بينهم وبين طائفة الوالي من خلاف، تقرَّر عندهم القيام بمؤامرة لخلع الوالي وقتله، واتفقوا مع قائدهم، الذي لم يذكر المؤلف اسمه، على الوقت وطريقة القتل. ولكن واحداً من المتآمرين كشف عن تفاصيل الخطة لأحد بطانة الوالي، فافتضحت العملية وفرّ القائد في عدد قليل من جماعته إلى البادية مستجيراً ومستجيشاً، ولكن سرعان ما لحقه قوم الوالي وقتلوه مع أصحابه قبل أن يصل إلى أهل البادية. ثمَّ قام الوالي إثر هذه المؤامرة الفاشلة بإلقاء القبض على جماعة من الجند المشتبه فيهم وأودعهم السجن ثمَّ قتلهم.

وأثناء ذلك كانت أخبار العدو تزيد، فرأى الوالي أن يجهز قطعة حربية تستطلع وتعاين تلك الأخبار ولكن الغراب (القطعة الحربية) لما قارب أن يرى ويسمع العدو عصفت به الريح ورمته إلى مدينة بنشكلة على ساحل أراجون الشرقي حيث أضرمت فيه النار على يد الأسبان. ثمَّ أرسل الوالي في أثر الغراب قطعة ثانية تستوضح الأنباء حتّى انتهت إلى وادي كونة قرب ثغر بنشكلة وأسرت فيه مجموعة من الروم وعادت بهم إلى ميورقة مسرعة، فسئلوا عن جمع العدو فقالوا قد تكامل للنهوض. ثمَّ عزز الوالي بقطعة حربية ثالثة لاستجلاء الحقيقة فصادفت ريحاً رمت بها إلى ساحل فأغارت على سهلها وأخذت خمسة من أهلها. ولما استنطقهم الوالي نفى بعضهم علمه بالخبر، وبعضهم قال: "إن أهل أراغون في هذه السنة لا يتفرغون، وهم ببلدهم شاتون، وفي الربيع المقبل آتون، فقبل الوالي هذه التوسعة، واستخشن الهيجاء واستحسن الدعة، وأذن في الناس أن العدو غير وارد، والمثلثة في القعود على رأي واحد" (26). كما أذن لأهل البادية بالعودة إلى بلدهم، وإنما كان هدفه من وراء ذلك مواصلة الانتقام ممَّن تآمر عليه.

ولما خلا له الجو أمر صاحب شرطته أن يأتيه بأربعة من كبراء ميورقة فأمر بضرب أعناقهم، وكان فيهم ابنا خالة، وخالهما هو أبو حفص بن شيري ذو المكانة الوجيهة الذي سيأتي ذكره عندما يتولى مقاومة الأسبان في البادية بعد سقوط ميورقة. ففرَّ إثر ذلك كثير من وجوه المدينة وأعيانها إلى البادية خوفاً من بطش الوالي وقومه، واجتمعوا هناك بابن شيري المذكور وعزوه في ابني أختيه وعاهدوه على طلب الثأر.

وأصبح الوالي يوم الجمعة منتصف شعبان 626هـ، والناس من خوفه في أهوال، ومن أمر العدو في إمهال، فأمر صاحب شرطته بإحضار خمسين من أهل الوجاهة بعدما أعطاه بطاقة بأسمائهم، وحضروا دار الوالي وهم ينتظرون مصيرهم المحتوم، وإذا بفارس على هيئة النذير دخل إلى الوالي، وأخبره بان الروم قد أقبلت وأنه رأى فوق الأربعين من قلوعها. وقبل أن ينتهي من كلامه جاء فارس آخر وأخبر الوالي أن العدو قد تظاهر وأن سفنه تفوق سبعين شراعاً، ولما صح الأمر عنده أمر بإطلاق سراح هؤلاء الوجهاء المحتجزين عنده وسمح لهم بالعفو، وعرفهم بخبر العدو وأمرهم بالتجهز.

وفي اليوم الموالي وهو يوم السبت ورد الخبر بأن أسطول العدو قد قرب من البلد في مئة وخمسين قطعة حربية (القلوع)، وأنه يقصد مرسى شنت بوصة. ولما رأت الروم أن الأحوال الجوية سيئة بسبب الرياح وهيجان البحر، أرادوا تأجيل الغزو إلى فصل الربيع أو الانصراف لغزو بلاد البر، وعرضوا ذلك على ملكهم، ولكنه رفض وأصرّ على الحرب، وحلف إن عاش فالراحة منه مُطَلَّقة ومراجعتها بشرط أخذ الجزيرة مُعَلَّقة. ولما رأوا عزمه وإصراره اتفقوا على إسعاده والامتثال لأوامره والمضي قدماً إلى الهدف المنشود وهو احتلال الجزيرة.

ومع اقتراب العدو من مرسى شنت بوصة أخرج الوالي جماعة من الجند لتسد تلك المسالك وتمنع العدو من النزول في ذلك المرسى، وكان يترأس تلك الجماعة قوم من طائفة الوالي، فنُصحوا بأن يجعلوا على مرسى آخر قريب من المرسى المذكور جماعة تتولى حراسته مخافة أن يقصده العدو ليلاً. ولكن قوم الوالي "باتوا يتاجرون المنكر، ويتهادون المسكر، وهم بالمعاقرة عارفون، وللمقارعة عائفون" (27). وقالوا لأصحاب هذا الرأي كيف تنصحون وأنتم المتهمون. فكان الذي حدث أن نزل العدو في ذلك المرسى في قوم قوامها خمس مئة فارس وعشرة آلاف راجل يوم الاثنين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير