تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لعلّه يسلم من عاديتهم، وينجو من غاويتهم.

واعلموا أنّ هذه البدعة في فساد عقائد العوام، أسرع من سريان السمّ في الأجسام، وأنها أضرّ في الدين من الزنى والسرقة وسائر المعاصي والآثام، فإنّ هذه المعاصي كلها معلوم قبحها، عند من يرتكبها ويجتلبها، فلا يُلَبِّس مُرْتَكِبُها على أحد، وتُرجى له التوبة والإقلاع عنها. وصاحبُ هذه البدعة يرى أنها أفضل الطاعات، وأعلى القربات، فبابُ التوبة عنه مسدود، وهو عنه شرودٌ مطرود، فكيف ترجى له منها التوبة، وهو يعتقد أنها طاعة وقربة، بل هو ممن قال الله فيهم:

{قل هل أُنبّئُكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا ً}، وممن قال فيهم: {أفَمَنْ زُيِّنَ له سوءُ عمَلِه فَرَآهُ حَسَناً}.

ثمَّ ضررُ المعاصي إنما هي في أعمال الجوارح الظاهرة، وضررُ هذه البدع إنما هي في الأصول التي هي العقائد الباطنة، فإذا أُفسد الأصل، ذهب الفرع والأصل، وإذا فسد الفرعُ بقي الأصل و يُرجى أن ينجبر الفرع وإن لم ينجبر الفرع لم تذهب منفعة الأصل. ثمَّ إنّ الذي يُغوي الناس ويدعوهم إلى بدعته، يكونُ عليه وزره ووزر من استنّ بسنّته. قال الله العظيم: {لِيَحْمِلُوا أوزارهم كاملةً يومَ القيامة وَ مِنْ أوزار الذين يُضِلُّونهم بغير عِلْمٍ، ألا ساء ما يَزِرون} ...

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سنّ سُنّةً حسنة كان له أجرُها وأجرُ من عمِل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ سُنّةً سيّئةً كان عليه وِزرُها ووِزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة)) ولا تنشأ هذه العلل إلاّ مِنْ مَرَضٍ في القلب خفيّ، أو حُمْقٍ جليّ، فاحذروها واحذروا أهلها. ولا تغترّوا بهم ولو أنّهم يطيرون في الهواء، ويمشون على الماء. فإنّ ذلك فتنةٌ لِمَنْ أراد الله فتنَتَه، وعَلِمَ شِقوَته. قال الله تعالى: {ومَنْ يُرِد الله فِتْنَتَه فَلَنْ تَملك له من الله شيئاً}. فلا يغترّ أحدُكم بما يَظْهَرُ منَ الأوهام والخيالات مِنْ أهل البدع والضلالات، ويعتقد بأنّها كرامات، بل هي شُرُكٌ وحِبالات، نصَبَها الشيطان لِيَقتَنِصَ بها مُعْتَقِدَ البدع ومرتكبَ الشهوات، وإنّما تكون من الله الكرامة لِمَنْ ظهرت منه الاستقامة، وإنما تكون الاستقامة باتّباع الكتاب والسنّة، والعمل بما كان عليه سلَفُ هذه الأمّة، فمن لم يسلُك طريقهم، ولم يتّبع سبيلهم، فهو ممن قال الله فيهم: {وَمَنْ يُشاققِ الرسول مِنْ بعد ما تَبَيَّنَ له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين، نولّه ما تولّى ونُصْله جهنّم وساءت مصيراً}.

فمَنْ حرَّفَ كتابَ الله أو تركَ العمل به أو عطّله، فقد افترى على الله كذباً، واتّخذ آيات الله هزواً ولعباً، فإذا رأيتم مَنْ يُعظّم القرآن فعظّموه، وإذا رأيتم من يُكرم العلماء وأهل الدين فأكرموه. قال الله العظيم {ومن يُعظّم حُرُمات الله فهو خيرٌ له عند ربّه}. ومن رأيتموه خالفَ القرآن فارْفُضُوه واهجروه في الله وأبغضوه. ومن رأيتموه يُجانب العلماء فجانبوه، فإنّه لا يُجَانِبُهم إلا ضالٌ مبتدع، غير مقتدٍ بالشرع ولا متّبع، فإنّ الشرائع لا تُؤخذُ إلا عن العلماء، الذين هم ورَثَة الأنبياء، كيف وقد جعل الله شَهَادَتَه وشهادة ملائكته كشهادة أُولي العلم. قال الله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أنّه لا إله إلا هوَ والملائكةُ و أُلوا العلم، قائماً بالقسط}. ولَسْتُ أعني بالعلماء المشتغلين في زماننا هذا بعلوم الجدال والمماراة، ولا المُعْتنين بدَرْسِ مسائل الأقضية والشهادات، فيتقرّبون بذلك إلى جمع الحُطام، والتّقرّب من الوُلات والحكّام، ونَيْلِ الرِّياسة عند العوام، وإنّما نعني بالعلماء الذين يعملون بعلمهم وقال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَحْمِلُ هذا الدّين من كُلّ خَلَفٍ عُدُولُه، ينفونَ عنه تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين)) فأولئك وَرَثَةُ النّبيين وأئمّة المتّقين الذين يجب أن يُقتَدى بهم ويتأدّب بآدابهم، ويُقتفى آثارهم، وتحفظ أخبارهم، ولكنّهم ضمّهم لحودهم، وقلَّ على بسيط الأرض وجودهم فما يورد من آثارهم أثر، فهم الكبريتُ الأحمر، وإنْ كان عجز عن بلوغ رتبتهم وقصّر، لكنّه يعرفُ الحقّ فلا يغلط في نفسه ولا يغترّ،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير