تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والجواب والله الموفّق للصواب: إنّ اجتماعهم للذكر على صوت واحد إحدى البدع المحدثات التي لم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا في زمن الصحابة ولا من بعدهم، ولا عُرِفَ ذلك قطُّ في شريعة محمدٍ عليه السلام، بل هو من البدع التي سمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلالة، وهي مردودة. ففي الصحيح أنه عليه السلام قال: ((مَنْ أحْدَثَ في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ)) يعني فهو مردود وغير مقبول، فذلك الذكر الذي يذكرونه غير مقبول. وفي رواية ((مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمْرُنا فهو مردود)). وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: أما بعد فإن خيرَ الحديث كتابُ الله وخيرَ الهدي هَدْيُ محمدٍ، وشرَّ الامور مُحدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالة. وفي رواية وكلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة في النار. وهذا الحديث يدُلُّ على أنّ صاحب البدعة في النار. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

وعن الحسن البصري أنه سُئلَ وقيل له: ما ترى في مجلسنا هذا؟ قومٌ من أهل السنّة والجماعة لا يطعنون على أحد نجتمعُ في بيت هذا يوماً فنقرأ كتاب الله وندعو الله ربّنا، ونصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم، وندعو لأنفسنا ولعامّة المسلمين. قال: فنهى الحسنُ عن ذلك أشدَّ النهي، لأنه لم يكن من عمل الصحابة ولا التابعين. وكل ما لم يكن عليه عمل السلف الصالح، فليس من الدين، فقد كانوا أحرصَ على الخير مِنْ هؤلاء ولو كان فيه خير لفعلوه. وقد قال تعالى: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكُم}.

قال مالك بن أنس: فما لم يكن يومئذٍ ديناً لم يكن اليوم ديناً. وإنّما يُعبدُ الله بما شَرَع.

وهذا الاجتماع لم يكن مشروعاً قط فلا يصحّ أن يُعبدَ الله به.

وأمّا الغناء والشطح فمذمومان على ألسنة السلف الصالح. فعن الضّحاك: الغنا مفسدةٌ للقلب مسخطةٌ للربّ. وقال المحاسبي: الغنا حرامٌ كالميتة. وسُئلَ مالك بن أنس عن الغنا الذي يُفْعل بالمدينة فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. و هذا محمول على غنا النساء و أما الرجال فغناؤهم مذمومٌ أيضاً، بحيث إذا داوم أحدٌ على فعله أو سماعه سقطت عدالته، لما فيه من إسقاط المروءة ومخالفة السلف. وحَكَى عياض عن التنيسي أنه قال: كنا عند مالك وأصحابه حوله، فقال رجل من أهل نصيبين يا أبا عبد الله عندنا قوم يُقال لهم الصوفيّة، يأكلون كثيراً، ثمّ يأخذون في القصائد، ثمّ يقومون فيرقصون؟ فقال مالك: أَصبيانٌ هم؟ قال: لا، قال: أمجانينُ هم؟ قال: لا، هم قومٌ مشايخ، وغيرُ ذلك عقلاء، فقال مالك: ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا!! اُنظُر كيف أنكر مالك و هو إمام السنة أن يكون في أهل الإسلام من يفعل هذا إلا أن يكون مجنوناً وصبياً. فهذا بيّنٌ أنه ليس من شأن الإسلام. ثم يقال ولو فعلوه على جهة اللعب كما يفعله الصبيان لكان أخف عليهم مع ما فيه من إسقاط الحشمة وإذهاب المروءة، وترك هدي أهل الإسلام و أرباب العقول، لكنهم يفعلونه على جهة التقرب إلى الله والتَّعبُّد به، وأن فاعله أفضل من تاركه، وهذا أدهى و أمرّ، حيث يعتقدون أن اللهو واللعب عبادة، وذلك من أعظم البدع المحرمات الموقعة في الضلالة الموجبة للنار والعياذ بالله.

وأمّا ما ذكرتم من شأن الفقيهين الإمامين، فليسا بفقيهين إذا كانا يحضران شيئا ًمن ذلك وحضورهما ذلك على الانتصاب إلى المشيخة قادحٌ في عدالتهما فلا يُصلّى خلف واحدٍ منهما حتى يتوبا إلى الله من ذلك، و يَظْهَرَ عليهما أثر التوبة، فإنه لا تجوز الصلاة خلف أهل البدع نص على ذلك العلماء. و على الجملة فواجب على من كان قادراً على تغيير ذلك المنكر الفاحش، القيام بتغييره وإخماد نار الفتنة، فإن البدع في الدين هلاك، و هي في الدين أعظم من السم في الأبدان والله الواقي بفضله. والسلام على من يقف على هذا من كاتبه: إبراهيم الشاطبي. انتهى

وتقيد بعقبه بخط المجيب رحمه الله ما نصه: ما كُتِب فوق هذا ويمنته صحيح عني حسبما كتب، فليروه عني من شاء على حسب ما وقع هنا والله الموفّق للصواب. و كتب ذلك بخطه العبد الفقير إلى رحمة ربه إبراهيم الشاطبي المذكور في العشر الأواخر لذي قعدة عام 786 هـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير