تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذ قد عرفت حال التسعة الأولين فقس عليهم الباقي، وإن شئت فراجع وابحث يتضح لك أن البخاري عن اللوم بمنجاة، وحسبك أن رجال البخاري يناهزون ألفي رجل، وإنما وقع الاختلاف في ثمانين منهم.

وأما فيما يتعلق بإخراج البخاري لحديث عكرمة مولى ابن عباس ورميه بالكذب، فإن ترجمة عكرمة موجودة في الفتح فليراجعها من أحب، وأما البخاري فقد كان الميزان بيده، لأنه كان يعرف عامة ما صح عن عكرمة إن حدَّث به، فاعتبر حديثه بعضه ببعض من رواية أصحابه كلهم، فلم يجد تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً لا يقع في أحاديث الثقات، ثم اعتبر أحاديث عكرمة عن ابن عباس وغيره، بأحاديث الثقات عنهم فوجدها يصدق بعضها بعضاً، إلا أن ينفرد بعضهم بشيء له شاهد في القرآن أو من حديث صحابي آخر.

فتيبن للبخاري أنه ثقة، ثم تأمَّلَ ما يصح من كلام من تكلم فيه فلم يجد حجة تنافي ما تبين له، والزعم بأن مسلماً ترجح عنده كذبه فلم يرو إلا حديثاً واحداً في الحج، ولم يعتمد فيه عليه وحده، وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير، قول متناقض في الحقيقة، فإن من استقر الحكم عليه بأنه متهم بالكذب، لا يتقوى بروايته أصلاً ولا سيما في الصحيح، لكن لعل مسلماً لم يتجشم ما تجشم البخاري من تتبع حديث عكرمة واعتباره، فلم يتبين له ما تبين للبخاري، فوقف عن الاحتجاج بعكرمة.

وأما الأحاديث التي انتقدت على الإمام مسلم فقد أجاب عنها واحداً واحداً جهابذة من أئمة الحديث ذكرهم الإمام السيوطي في (تدريب الراوي 1/ 94) فقال: " ورأيت فيما يتعلق بمسلم تأليفاً مخصوصاً فيما ضعف من أحاديثه بسبب ضعف رواته، وقد ألف الشيخ ولي الدين العراقي كتاباً في الرد عليه، وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مسلم أحاديث مخالفة لشرط الصحيح بعضها أبهم راويه وبعضها في إرسال وانقطاع، وبعضها وجادة وهي في حكم الانقطاع وبعضها بالمكاتبة، وقد ألف الرشيد العطار كتاباً في الرد عليه والجواب عنها حديثاً حديثاً وقد وقفت عليه. أهـ.

وفيما يتعلق بإخراج مسلم لبعض الضعاف والمتوسطين الذين ليسوا من شرط الصحيح، مما يخل بشرطه، فجواب ذلك من أوجه ذكرها الإمام ابن الصلاح في كتابه " صيانة صحيح مسلم (1/ 96)، ونقلها عنه النووي في شرحه (1/ 24):

أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده، ولا يقال: الجرح مقدَّم على التعديل، لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسرَ السبب، وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذلك، وقد قال الخطيب البغداي: ما احتج البخاري و مسلم و أبو داود به من جماعة عُلم الطعن فيهم من غيرهم، محمولٌ على أنه لم يثبت الطعن المؤثرُ مفسَّرَ السبب.

الثاني: أن يكون ذلك واقعاً في المتابعات والشواهد، لا في الأصول، وذلك بأن يذكر الحديث أولاً بإسنادٍ نظيف، رجاله ثقات، ويجعله أصلا، ثم يتبعه بإسنادٍ آخر، أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة، أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قَدَّمه، وقد اعتذر الحاكم بالمتابعة والاستشهاد في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح، منهم مطر الوراق و بقية بن الوليد و محمد بن إسحاق بن يسار و عبد الله بن عمر العمرى و النعمان بن راشد، وأخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين.

الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذى احتج به طرأ بعد أخذه عنه، باختلاط حدث عليه، فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته، كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب حيث ذكر الحاكم أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين، أي بعد خروج مسلم من مصر، فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة و عبدالرازق وغيرهما ممن اختلط آخراً، ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير