تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن الشبه التي استدل بها على ضعف أحاديث البخاري وعدم الاعتماد عليهما، أن البخاري رحمه الله مات قبل أن يبيض صحيحه، فكان إتمامه على يد غيره، مستشهداً بكلام المستملي أحد رواة البخاري - والذي نقله عنه الحافظ بن حجر في (مقدمة الفتح صـ11) - أنه قال: " انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض.

قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم انتسخوا من أصل احد، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين أو أكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث)).

وهذه الشبهة ليست من كيسه فقد رددها قبله " أبو رية "، والغرض من هذا الكلام إيهام القارئ أن الإمام البخاري ترك كتابه مسودة، ومن شأن المسودات أنها لم تنقح، ومن شأن عدم التنقيح أن يأتي الكتاب على غير ما يرام، كل ذلك ليخلصوا إلى ما يريدون من التشكيك في منزلة أحاديث الصحيحين.

وليس في كلام المستملي و الباجي ما يشهد لذلك إطلاقاً، فإن البخاري رحمه الله لم يمت إلا بعد أن نقح كتابه وهذبه غاية التهذيب، وهذا النقل الذي ذكره الحافظ، إنما هو في شأن التراجم التي بيضها البخاري أي ذكرها، ولم يذكر فيها حديثاً، أو الأحاديث التي ذكرها ولم يذكر لها باباً، بل إن هذا النقل يدل على أن صحيح البخاري كان مدوناً في أصل محرر.

وهذه المواضع على ثلاثة أنواع كما ذكر ذلك المعلمي رحمه الله في (الأنوار الكاشفة 257):

الأول: أن يثبت الترجمة وحديثاً أو أكثر، ثم يترك بياضاً لحديث كان يفكر في زيادته، وإنما أخَّر ذلك لسبب ما، ككونه كان يحب إثباته كما هو في أصله، ولم يتيسر له الظفر به حينئذ.

الثاني: أن يكون في ذهنه حديث يرى إفراده بترجمة، فيثبت الترجمة ويؤخر إثبات الحديث على لما سبق.

الثالث: أن يثبت الحديث ويترك قبله بياضاً للترجمة، لأنه يُعْنى جداً بالتراجم، ويضمنها اختياره، وينبه فيها على معنى خفي في الحديث، أو حَمْلِه على معنىً خاص أو نحو ذلك، فإذا كان متردداً ترك بياضاً ليتمه حين يستقر رأيه، وليس في شيء من ذلك ما يوهم احتمال خلل فيما أثبته في كتابه.

وأما التقديم والتأخير فالاستقراء يبين أنه لم يقع إلا في الأبواب والتراجم، يتقدم أحد البابين في نسخة ويتأخر في أخرى، وتقع الترجمة قبل هذا الحديث في نسخة، وتتأخر عنه في أخرى فيلتحق بالترجمة السابقة، ولم يقع من ذلك ما يمس سياق الأحاديث بضرر، ولذا قال الحافظ رحمه الله في المقدمة بعد إيراده للعبارة السابقة: " قلت وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث، وهي مواضع قليلة جداً ".

وليس أدل على أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حرَّر كتابه، وعرضه على أئمة الحديث مما قاله أبو جعفر محمود بن عمر العقيلي: " لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل و يحي بن معين و علي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة وروى عنه الفربري قوله: " ما كتبت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين "، وذلك كي يجتمع له الاطمئنان القلبي مع البحث العلمي.

ومما يدل كذلك على ما بذله البخاري رحمه الله من جهد وتنقيح، وغربلة للأحاديث حتى جاء كتابه في غاية التحرير قوله: " جمعت كتابي هذا من ستمائة ألف حديث ".

وقد استفاض واشتهر أن البخاري لم يمت إلا بعد أن حدَّث بتلك النسخة طلابه، وسمع الناس منه من هذه النسخة، وأخذوا لأنفسهم نسخاً في حياته، وتسابقوا في كتابة أصله، مما يثبت أنه كان مطمئناً إلى جميع ما أثبته فيها.

تقطيع البخاري للحديث

ومما ذكره أيضاً كدليل على عدم الوثوق والطمأنينة بما ورد من حديث في صحيح البخاري تقطيعه للحديث واختصاره والتصرف فيه، حيث اعتبر هذا العمل تدليساً وخيانة في أمانة نقل الرواية كما زعم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير