تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي موضع آخر عند الكلام على الحديث في باب صفة الصلاة ساق عبارة مسلم وأجاب عنها بقوله: " ثم قد ينكر هذا الكلام، ويقال: قد وضع أحاديث كثيرة غير مجمع عليها، وجوابه أنها عند مسلم بصفة المجمع عليه، ولا يلزم تقليد غيره في ذلك، وقد ذكرنا في مقدمة هذا الشرح هذا السؤال وجوابه ".

وأما ادعاؤه بأن النووي حكم بالبطلان على حديث جابر في صحيح مسلم لأن فيه التصريح بأن أول سورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها المدثر " فهو من التلبيس وتحريف الكلام الذي عودنا عليه، وعبارة النووي في الشرح هي كالتالي: " قوله ((أن أول ما أنزل قوله تعالى: يا أيها المدثر)) ضعيف بل باطل، والصواب أن أول ما أنزل على الاطلاق: اقرأ باسم ربك ".

فالحكم بالضعف أو البطلان إنما وقع على القول بأن أول ما أنزل من القرآن مطلقاً " يا أيها المدثر "، وليس على رواية جابر، فالحديث ليس فيه أبداً ما يدل على أن أول ما أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها المدثر " حتى يحكم بضعفه أو بطلانه، ولو رجع إلى كلام النووي نفسه في شرح حديث عائشة لتبين له ذلك حيث قال: " وهذا دليل صريح في أن أول ما نزل من القرآن " اقرأ "، وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف، وقيل أوله: " يا أيها المدثر " وليس بشيء، وسنذكره بعد هذا في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى.

فالكلام إنما هو على القول لا على الحديث، فإن كان أبو سلمة رواي الحديث عن جابر، أو حتى جابر نفسه ممن يرى هذا القول، فهو قول ضعيف وليس في الروايات أبداً ما يشهد له، مع أنه قد ثبت عن جابر رضي الله عنه في حديث قبله من رواية الزهري عن أبي سلمة التصريح، بأنه أول نزول بعد فترة الوحي وأنها أولية نسبية، فلا منافاة إذاً، فأين تشكيك النووي رحمه الله في أحاديث الصحيح؟!

الذهبي وصحيح البخاري

ومما نسبوه إلى الإمام الذهبي أنه قال في بعض أحاديث الصحيح: " ولولا هيبة الصحيح لقلت إنها موضوعة! "، وهو كذب مفضوح على هذا الإمام.

فإن عبارته كما في ميزان الاعتدال في ترجمة خالد بن مخلد القطواني عندما ذكر أن البخاري رحمه روى له حديث الولي (من عادى لي ولياً) قال: " فهذا حديث غريب جداً، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن خالد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد ولا خرجه من عدا البخاري ".

وغاية ما فيها استغرابه للحديث لأنه من طريق خالد بن مخلد وشيخه شريك مع ما علم من الكلام حولهما، فيقال إن غاية ما في ذلك أنه صحيح عند البخاري، فيكون من الأحاديث المنتقدة على صاحب الصحيح، وليس مما وقع الإجماع على تلقيه بالقبول، ونحن لا ننكر أن في الصحيح شيئاً من هذا، وقد سبق بحث هذه النقطة وما حولها من إشكال.

و الحافظ رحمه الله بين في الفتح (11/ 341) أن للحديث طرقاً أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً حيث قال وهو يرد على الذهبي إطلاقه أنه لم يرو إلا بهذا الإسناد: " وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود .... ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً ثم ذكر بعض الطرق عن عائشة و أبي أمامة و علي و ابن عباس و معاذ بن جبل و أنس.

كما أن المتأمل في عبارة الذهبي يجد فيها مزيد تدعيم لمكانة الصحيح وليس كما أراد المغرضون، فإن الذي جعلهم يترددون في عدِّ هذا الحديث من منكرات خالد (هيبة الصحيح)، بمعنى أن هذا الحديث لو كان في غير الصحيح لعدَّ من منكرات خالد بن مخلد، لما عرف من حاله، ولكن الذي منعهم من ذلك إخراج صاحب الصحيح له، لما علم من علمه وإمامته وشروطه، وانتقائه للأحاديث، وغير ذلك من الأغراض التي ذكرت في الرجال المنتقدين، فهو مزيد توثيق وتدعيم لموقف صاحب الصحيح، وليس فيه أبداً أي غض من مكانته كما أراد المشككون، فأين حكم الذهبي على الحديث بالوضع؟!.

أما بالنسبة لغرابة ألفاظه فهو كغيره من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحتاج إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم، ويمكن مراجعة كلام الحافظ وغيره في شرح الحديث، ولو فتح هذا الباب لردت جملة من الأحاديث الثابتة.

وأخيراً وبعد هذا التطواف، أظن أن القارئ الكريم قد عرف مكانة هذين الكتابين، ومنزلتهما في العلم والدين، وأن شبهات المغرضين حولهما هي مجرد فقاعات وأوهام لا تثبت أمام التحقيق العلمي، وليس أي سند شرعي، ولا يزال الله عز وجل يقيض للسنن والأحاديث في كل عصر من ينفي عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، تحقيقاً لوعد الله في حفظ دينه وكتابه وسنة نبيه.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.


المراجع:
- هدي الساري ابن حجر العسقلاني.
- صيانة صحيح مسلم أبو عمر ابن الصلاح.
- فتح الباري ابن حجر العسقلاني.
- شرح النووي على صحيح مسلم.
- تدريب الراوي السيوطي.
- تاريخ بغداد الخطيب البغدادي.
- ميزان الاعتدال الذهبي.
- سير أعلام النبلاء الذهبي.
- تهذيب التهذيب ابن حجر العسقلاني.
- لسان الميزان ابن حجر العسقلاني.
- الأنوار الكاشفة المعلمي.
- دفاع عن السنة أبو شهبة.
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين.

منقول من

http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=64508
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير