فإنني أحمد الله تعالى الذي منَّ عليَّ بإتمام هذه الرسالة، وتفضل عليَّ بهذه الرحلة الطويلة بين كتب علوم القرآن وكتب علماء أصول الفقه، حيث أثمرتْ هذه الجولةُ دراسةَ أكثر من (109) مسألةً (3)، اشترك علماءُ العِلْمَين في دراسة (61) مسألةً منها، بينما أضاف علماء أصول الفقه (32) مسألةً، وأضاف علماء علوم القرآن (16) مسألة، وقد فاق عددُ النصوصِ القرآنيةِ المستشهد بها في هذه الرسالة ــ من غير المكرر ــ (650) نصَّاً قرآنياً، علماً بأن من الصعوبات التي تواجه الدَّارِس في كتب أصول الفقه قلة التطبيق على النصوص القرآنية، مقارنةً بعدد الأحاديث النبوية والآثار، ففي كتاب روضة الناظر لابن قدامة ـ على سبيل المثال ـ بلغ عَدَدُ النُّصوصِ القرآنيةِ في جميع الكتاب (263) نصاً قرآنياً فقط (4)، علماً بأنَّ الفصولَ الثمانية المدروسة في هذه الرسالة لا تُمثل ثلثَ ما يُدرس في علم أصول الفقه.
وفي هذا المقام تحسن الإشارة إلى أهم النتائج المستفادة من هذا البحث، وأبرز التوصيات العلمية له، ويمكن تلخصيها كما يأتي:
نتائج الدراسة:
أولاً: أن هذه الأنواع المشتركة والمدروسة في كلٍّ من عِلْمَي: أصولِ الفقه وعلومِ القرآن، أصيلةٌ في كلِّ علمٍ، فهي تشغل في علمِ أصول الفقه حيزاً كبيراً من المبحث المتعلق بكيفية المستفيد، وهو ربع مباحث علم أصول الفقه، وهي مؤثرة في استخراج الأحكام الذي من أجله وضع علم أصول الفقه.
كما أنها مؤثرة جداً في تفسير كتاب الله تعالى ـ من حيث الجملة ـ ولا يستغني عنها المفسِّرُ على وجه الخصوص، فدراستها في علوم القرآن أصيلةٌ أيضاً؛ لأن مقصود مباحث هذا العِلْمَ هو إعانة المفسر، كما قال الزركشي (ت: 794 هـ) في هدف تأليفه لكتابه: "ليكون مفتاحاً لأبوابه، وعنواناً على كتابه، معيناً للمفسِّر على حقائقه، ومطلعاً على بعض أسراره ودقائقه" (5)، وقال البلقيني (ت: 824 هـ) في بداية كتابه: "وأجعل ذلك مقدمة للتفسير" (6)، وقال السيوطي (ت: 911هـ) في بداية الإتقان: "وجعلته مقدمةً للتفسير الكبير" (7).
واشتراك العلوم في عددٍ من المباحث لا يعني اختصاص أحدها بها، فدراسة هذه الأنواع أصيلةٌ في علم أصول الفقه لاستخراج الأحكام الفقهية، وهي أصيلة أيضاً في علوم القرآن لتفسير كتاب الله تعالى.
ثانياً: اختلفت دراسة علماء أصول الفقه للمسائل عن دراسة علماء علوم القرآن، وذلك في عدد من النقاط من أبرزها:
1. عُنِيَ علماء أصول الفقه بضبط التعريفات، ومناقشتها وبيان محتزرات التعريف ــ في الغالب ــ بينما نجد أن علماء علوم القرآن لم يُعنوا بذلك.
2. قلة تطبيق علماء أصول الفقه على القرآن الكريم في عدد من المسائل، واكتفاؤهم بالتطبيق على السنة النبوية؛ وذلك لأنَّ دراسة المسائل عندهم شاملة للكتاب والسنة، بينما نجد أن تطبيقات علماء علوم القرآن تكون من القرآن الكريم، وذلك لأن منطلق العلم خاصٌّ بالقرآن الكريم.
3. عناية علماء أصول الفقه بالتنظير للمسائل وضبطها وإن لم يوجد لها مثالٌ واقعيٌّ، حيث إن الأصل عندهم ـ أعني الجمهور ـ هو بناء القاعدة، ومن ثمَّ التمثيل لها (8).
ثالثاً: أضاف علماءُ أصول الفقه عدداً من المسائل التي لا تُدرس غالباً ضمن كتب علوم القرآن ومن أهمها المسائل الآتية:
1. أركان النسخ.
2. شروط النسخ.
3. الزيادة على النص هل هي نسخ.
4. أسباب التشابه.
5. أقسام الحقيقة.
6. فوائد العدول عن الحقيقة إلى المجاز.
7. حكم العمل بالظاهر.
8. أقسام الظاهر.
9. أقسام التأويل.
10. شروط التأويل.
11. ما يدخله التأويل.
12. حكم المجمل.
13. أنواع المجمل.
14. ما يقع به البيان.
15. تأخير البيان.
16. مساواة البيان للمبيَّن.
17. تعارض العام والخاص.
18. حكم العام بعد تخصيصه.
19. حكم العمل بالعام قبل البحث عن المخصص.
20. شروط حمل المطلق على المقيد.
21. مراتب المقيد.
22. حكم مفهوم الموافقة.
رابعاً: تميزت طريقة دراسة علماء علوم القرآن للمسائل بما يأتي:
1. الاختصار في عرض المسائل والتنظير لها، والاكتفاء بالذكر أحياناً عن التحليل والمناقشة، وذلك لاهتماهم بجانب التطبيق أكثر من جانب التنظير والتأصيل.
¥