لستُ أريد هنا الخوض في المسألة موضوع النقاش؛ ولكني أستأذنكم في الحديث عن مسألة صوتية صرفة، تتعلق بتخفيف الهمزة.
فلقد لفت نظري قول أخينا طاوي ثلاث:
ثانياً: العمل بقاعدة التخفيف يلزم منه عدم الاعتداد بالتوسط العارض.
ثم قوله:
قاعدة التسهيل قاعدة لا يختلف عليها اثنان، لكنها لا تنضبط في التوسط العارض، نحو: سرني دعاؤكم، سمعت دعاءكم، أنصت لدعائكم.
ثم قول أخينا عطوان عويضة:
إذا كان ذلك كذلك، فعدم الاعتداد أصح، لأن مراعاة الأصل أولى.
إن كنت تعني أن مراعاة التخفيف توجب كتابة نحو (يقرأُه) مرفوعا هكذا، لا (يقرؤه) هكذا، لأننا في التخفيف نقول يقراه لا يقروه، أَقُُْل: فيقرأه أصح، لأنها طابقت الواقع أما يقرؤه فالواو فيها لغو. ومع هذا فقد أجازوا الوجهين.
ثم ما الفائدة من مراعاة التوسط أحقيقي هو أم عارض إن لم يكن ثمة ثمرة لذلك؟!
وهنا أقول:
إن طريقة تخفيف الهمزة لا تؤخذ بالاجتهاد، ولا بالاعتماد على بعض الأشعار التي تتحكم فيها قواعد الوزن والقافية؛ وإنما تؤخذ بإحدى طريقتين:
* إما بالرجوع إلى ما كتبه النحويون القدامى في باب (تخفيف الهمز).
* وإما بالرجوع إلى ما كتبه علماء القراءات في باب (الوقف على الهمز). فلقد اشتهرت قراءة حمزة بتخفيف الهمزات في كل كلمة موقوف عليها، وكذلك رواية هشام عن ابن عامر، إلا أن هشاما لا يخفف إلا الهمزات المتطرفة.
فماذا قال علماء النحو والقراءات في تخفيف الهمزة فيما شابَهَ الكلمات التي أوردها أخونا طاوي ثلاث (سرني دعاؤكم - سمعت دعاءكم - أنصت لدعائكم)؟
يقول ابن الحاجب في باب (تخفيف الهمزة) من (الشافية) [ينظر شرح الرضي: 3/ 30 فما بعدها]:
تخفيف الهمزة: يجمعه الإبدال والحذف وبَيْنَ بَيْنَ، أي: بيْنَها وبين حرفِ حرَكَتِها، وقيل: أو حرفِ حركةِ ما قبلها.
قال الرضي في شرحه:
قوله: "بيْنَها وبين حرف حركتها"، أي: بين الهمزة والواو إن كانت مضمومة، وبينها وبين الألف إن كانت مفتوحة، وبينها وبين الياء إن كانت مكسورة.
ثم يقول ابن الحاجب، في سياق حديثه عن الهمزة المتوسطة بعد ساكن:
وإن كان [أي: الساكن] ألِفًا، فبَيْنَ بَيْنَ المشهورُ.
ومعنى كلامه هذا: أنها تُخفف بتسهيلها بين بين، بالتعريف المشهور لمصطلح (بَيْنَ بَيْنَ)، وهو جعلها بَيْنَ الهمزة وحرف حركتها.
ويقول ابن الجزري في باب (الوقف على الهمز) من (النشر في القراءات العشر:1/ 433)، في سياق حديثه عن الهمزة المتوسطة بعد ساكن:
فإن كان [أي: الساكن] ألِفًا، فتسهيلُه بَيْنَ بَيْنَ، أي: بَيْنَ الهمزِ وحركته، بأيّ حركةٍ تحرَّكَ؛ نحو: (شُرَكَاؤُنَا) و (جاؤوا) و (أولياؤه) و (أولئك) و (خائفين) و (الملائكة) و (جاءنا) و (دعاءً ونداءً).
يتضح هنا أن ابن الجزري لم يميز إطلاقا بين التوسط الحقيقي والتوسط العارض؛ فالهمزة في هذه الامثلة كلها تسهّل بين بين، أي: بين الهمزة وحرف حركتها؛ بمعنى أنها:
* تُلفظ بين صوت الهمزة وصوت الألف، في نحو: (جاءنا) و (دعاءً ونداءً) [تماما مثلما تُلفظ الهمزة الثانية في (أَاَعْجَمِيٌّ وعَرَبِيٌّ) بسورة فُصِّلت على رواية حفص].
* وتُلفظ بين صوت الهمزة وصوت الواو، في نحو: (شُرَكَاؤُنَا) و (جاؤوا) و (أولياؤه).
* وتُلفظ بين صوت الهمزة وصوت الياء، في نحو: (أولئك) و (خائفين) و (الملائكة).
وعلى هذا، فإن تخفيف الهمزات التي أوردها أخونا طاوي ثلاث يكون كالتالي:
* (سرني دعاؤُكم): تُلفظ بين صوت الهمزة وصوت الواو: [دُعَا (وُ) كُمْ]؛ ولذلك تُرسم واوا، فلا تناقُض هنا إطلاقا.
* (أنصت لدعائِكم): تُلفظ بين صوت الهمزة وصوت الياء؛ ولذلك تُرسم ياءً: [لِدُعَا (يِـ) كُمْ]، فلا تناقُض هنا أيضا.
* (سمعتُ دعاءَكم): تُلفظ بين صوت الهمزة وصوت الألف: [دُعَا (اَ) كُمْ]؛ فكان ينبغي رسمها ألفا، إلا أنهم حذفوا صورتها كراهة اجتماع ألفين.
فلا تناقض إذن بين (اعتماد طريقة التخفيف) و (اعتبار التوسط العارض للهمزة.
أما في حالة التطرف، فتُرسم الهمزة بمقتضى ما تخفف به عند الوقف عليها؛ لأن الرسم مبني على الوقف والابتداء. وإذا رجعنا إلى قواعد تخفيف الهمزة وقفا نجد (دُعاءٌ) المرفوعة و (دُعاءٍ) المجرورة تسهلان عند الوقف هكذا: (دُعَا).
أما (دُعاءً) المنصوبة، فكان القدماء يعدون همزتها متوسطة؛ لأن الواقف عليها يتلفظ بعدها بألف مبدلة من التنوبن. ولذلك أدرجها ابن الجزري ضمن الهمزات المتوسطة. فيكون تحفيفها بين صوت الهمزة وصوت الألف. وهذا يقتضي رسم الكلمة بثلاث ألفات: (دُعَاأًا). ولكنهم اكتفوا بواحدة، كراهة توالي الأمثال.
وأما قول أخينا عطوان: (لأننا في التخفيف نقول (يقراه) لا (يقروه))، ففيه نظر أيضا؛ لأن القدماء نصوا على أن الهمزة المضمومة بعد فتح تُسهّل بين صوت الهمزة وصوت الواو: [يَقْرَ (وُ) هُ]. هذا هو التخفيف القياسي المعتمد، وبه وقف حمزة في قوله تعالى: (كِتَابًا نَقْرَؤُهُ) [الإسراء: 93]. ولذلك رسمت الهمزة هنا في المصاحف العثمانية واوا.
وأما (يَقْرَاهُ)، وكذلك (سرني دُعاكُمْ)، فتخفيف على غير القياس، يُلجأ إليه في الشعر أو في بعض لهجات العرب.
دمتم بكل الخير.
¥