وقال في موضع آخر من هذا الكتاب، وقد ذكر الحلول: ويحك هذا المذهب أنزه لله تعالى من السوء، أم مذهب من يقول هو بكماله وجماله وعظمته وبهائه فوق عرشه فوق سمواته. فوق جميع الخلائق في أعلى مكان وأظهر مكان، حيث لا خلق هناك، ولا إنس ولا جان، أي الحزبين أعلم بالله وبمكانه وأشد تعظيماً وإجلالاً له.
وقال في هذا الكتاب: علمه بهم محيط، وبصره فيهم نافذ، وهو بكماله فوق عرشه، والسموات ومسافة بينهن وبينه وبين خلقه في الأرض، فهو كذلك معهم خامسهم وسادسهم ... وإنما يعرف فضل الربوبية وعظم القدرة بأن الله من فوق عرشه، ومع بعد المسافة بينه وبين الأرض يعلم ما في الأرض.
وقال في موضع آخر من الكتاب: والقرآن كلام الله وصفة من صفاته خرج منه كما شاء أن يخرج، والله بكلامه وعلمه وقدرته وسلطانه وجميع صفاته غير مخلوق وهو بكماله على عرشه.
وقال في موضع آخر وقد ذكر حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل في شأن الروح وقبضها ونعيمهما وعذابها، وفيه: فيصعد بروحه حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة، وأعيدوه إلى الأرض. وذكر الحديث. ثم قال: وفي قوله: " لا تفْتحُ لهُم أبْوابَ السماء " .. دلالة ظاهرة أن الله تعالى فوق السموات، لأنه لو لم يكن فوق السماء لما عرج بالأرواح والأعمال إلى السماء، ولما غلقت أبواب السماء عن قوم وفتحت لآخرين.
وقال في موضع آخر. وقد بلغنا أن حملة العرش حين حملوا العرش وفوقه الجبار جل جلاله في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله، واستكانوا وجثوا على ركبهم، حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله، فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته.
ثم ساق بإسناده عن معاوية بن صالح: أول ما خلق الله حين كان عرشه على الماء حملة العرش فقالوا: ربنا لِمَ خلقتنا؟ فقال: خلقتكم لحمل عرشي. فقالوا: ربنا ومَن يقوى على حمل عرشك وعليه جلالك وعظمتك ووقارك؟ فقال لهم: إني خلقتكم لذلك. قال: فيقول ذلك مراراً؟ قال: فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال في موضع آخر: ولكنا نقول رب عظيم، وملك كبير نور السموات والأرض، وإله السموات والأرض على عرش عظيم، مخلوق فوق السماء السابعة دون ما سواها من الأماكن، من لم يعرفه بذلك كان كافراً به وبعرشه.
وقال في موضع آخر في حديث حصين: كم تعبد، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على حصين إذ عرف أن إله العالمين في السماء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحصين رضي الله عنه قبل إسلامه كان أعلم باللّه الجليل من المريسي وأصحابه مع ما ينتحلون من الإسلام، إذ ميز بين الإله الخالق الذي في السماء، وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض، قال: وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله سبحانه في السماء وعرفوه بذلك إلا المريسي وأصحابه، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث.
وقال في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمَة: أين الله؟ تكذيب لمن يقول هو في كل مكان، وأن الله لا يوصف بأين، بل يستحيل أن يقال أين هو، والله فوق سمواته بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبده.
وكتاباه من أجل الكتب المصنفة في السنّة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه، وكان شيِخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظّمهما جداً، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما.
قول قتيبة بن سعيد رحمه اللّه تعالى: الإمام الحافظ أحد أئمة الإسلام، وحفاظ الحديث من شيوخ الأئمة الذين تجملوا بالحديث عنه، قال أبو العباس السراج: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: هذا قول الأئمة في الإسلام والسنّة والجماعة: نعرف ربنا سبحانه، بأنه في السماء السابعة على عرشه كما قال تعالى: " الرّحمنُ على العَرْش اسْتوى " سورة طه آية 5.
وقال موسى بن هارون: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه كما قال تعالى: " الرحمن على العرش استوى ".
¥