- وكما أن الإسرائيليين سلكوا سبيل التخذيل لموسى عليه السلام، إذ قال لهم: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة: 21].
ماذا قال الإسرائيليون لنبيهم الكريم موسى عليه الصلاة و السلام، وقد أنجاهم الله على يديه: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون) [المائدة:22].
وقالوا أيضًا: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة: 24].
ونحو هذا المسلك من مسالك التحذير سلكه أهل النفاق مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فرجع عبد الله بن أُبي بن سلول يوم أحد بثلث الجيش لتخذيل أهل الإيمان (4) أمام أهل الكفر والطغيان، ولكن دائمًا العاقبة للتقوى.
نصر الله أنبياءه وأولياءه وخذل رب العالمين أعداءه وأعداء المرسلين
- وفي الختام:
فإن الله سبحانه يجعل موتة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة وليست ببلدته التي ولد فيها، ليست بمكة البلد الحرام، وكذلك يموت موسى قريبًا من الأرض المقدسة رمية بحجر، فسبحان الله، تشابهت سيرهما، وتشابهت حياتهما، وتشابهت الابتلاءات التي ابتُليا بها عليهما صلوات الله وسلامه.
فهكذا أشبهت سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيرة نبي الله موسى عليه السلام، ومن ثم فقد تكرر ذكر قصة موسى، ونزلت سور مدنية ومكية بذلك، وذلك -والله أعلم- لأن نبينا محمدًًا صلى الله عليه وسلم لاقى في مكة من التعب والعناء والجهد من أئمة الكفر نحو الذي لقيه موسى من فرعون وهامان وقارون، وكذلك لاقى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة، من العناء والجهد مع اليهود وأهل النفاق نحوًا من المعاناة التي عاناها موسى عليه السلام مع بني إسرائيل ونحو ذلك يواجهه الدعاة إلى الله.
فمن ثم، لزمنا تدبر قصة موسى عليه السلام وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نلتمس من ذلك كله الزاد! ونتعلم من ذلك كله الصبر!
ونستلهم العون من الله أولاً وآخرًا.
والتوفيق بالله وحده.
تناولت هذه السورة المباركة الميمونة أمورًا يجب أن تدرك ويجب أن تُتأمل، ويتفكر فيها المتفكر ويعتبر بها المعتبر.
- تجلت في هذه السورة الكريمة مظاهر قدرة الله عز وجل، وأنه تبارك وتعالى يفعل ما يريد، وهو سبحانه غالب على أمره، له الخلق وله الأمر، قدره نافذ في خلقه، لا يُخلَف وعده، ولا يُهزَم جنده.
- فانظر آثار قدرة الله ورحمة الله، وكيف حفظ نبيه موسى من الغرق ومن العدو؟ وكيف ألقى الله محبة موسى في قلب من رآه؟ حتى قالت امرأة فرعون: (لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) [القصص: 9]. ثم كيف تجتمع المراضع لإرضاعه وهو يأبى؟ إذ الله قد حرم عليه المراضع ثم كيف جاءت أمه فالتقم ثديها؟!
- ثم كيف قيض الله لموسى رجلاً أتى من أقص المدينة يسعى يقول: (يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِين) [القصص:20].
- ثم تتساءل لماذا وُجِّه موسى إلى مدين؟
- ومن الذي هداه السبيل إليها ويسر له أمر الوصول إليها؟
- وسبحان الله، كيف وجد المرأتين وسقى لهما بدون شرط ولا أجر؟
- ثم كيف دعا وكيف استجاب الله دعاءه؟ فجاءته إحداهما تمشي على استيحاء قالت: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص: 25].
- وبعد، فكيف أعانه الله وواجه فرعون؟!
- ثم كيف أنجاه الله، وأُخِذ عدوه فنُبِذ في اليم؟!
- تجلت قدرة الله في هذه السورة المباركة، فالمحفوظ من حفظه الله، والمهتدي من هداه الله، والمختار من الله واصطفاه، ولا ينفع حذر من قدر.
- استقرئ هذه المعاني الجميلة من سيرة موسى عليه السلام، استقرئها من قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة) ُ [القصص: 68]، فالذي يخلق ويختار هو الله.
¥