- ومن قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين) [القصص 56] فالذي يهدي هو الله.
- وسبحان الله، فمن الذي ربط على قلب أم موسى؟ لا شك أنه الله.
- استقرئ أيضًا قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 6،5]. فالذي يمن على العباد هو الله، والذي يختار الأئمة هو الله، والذي يمكن هو الله. - وكذلك فاقرأ قوله تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَن) [القصص: 13].
تدرك من هذه السورة الكريمة إدراكًا تامًا، أن الله يتولى الصالحين، ويدبر لهم أمورهم، ويصلح لهم شئونهم، ويختار لهم خيرًا مما يختارونه لأنفسهم، فمهما دبرت أم موسى، ومهما فكرت، ومهما رتبت من أمور لحفظ ولدها؛ هل كانت ستصل إلى الثمرة الطيبة التي تفضل الله بها عليها؟!
إنها مهما فكرت؛ فغاية تفكيرها أن يُحفظ ولدها من القتل لكنها لم تكن لتفكر -إلا بوحي الله- في أن يرجع ولدها إليها ترضعه آمنة مطمئنة.
- ثم كيف أقر الله عينها وأذهب عنها الحزن، تُغدق عليها الهدايا، وتأتيها المنح، وهي المتفضلة المشكورة على القوم بإرضاع ولدها.
- وأيضًا؛ كيف دبر الله أمر موسى عليه السلام، وتولاًه في سفره وحضره، وفي غربته وبلده؟!
- وكيف تزوج ورزق واستقر زمنًا وهو آمن مطمئن بعد أن أنجاه الله من القوم الظالمين؟!
إن فضل الله على العباد واسع، يرزقهم من حيث لا يحتسبون، ويدافع عنهم، ويدفع، وهم لا يدرون ولا يشعرون، ويسبغ عليهم من نعمه الظاهرة والباطنة ما لا يتوقعونه ولا يخطر لهم على بال.
- انظر: كيف يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في هذه السورة الكريمة المباركة: (وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [القصص: 86]؟!
- فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -قبل أن يوحى إليه- يتصور يومًا أن يكون سيد ولد آدم، سيد الأولين والآخرين؟!
- هل كان عليه الصلاة والسلام يتوقع أن ينزل عليه وحي من السماء؟! وأن يعرج به إلى السموات العلى؟! وأن تفرض هنالك عليه الصلوات؟!
- هل كان يتوقع أن يُسرى به في ليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؟!
- وسبحان الله، هل ظن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته أنه سيكون أول شافع؟! وأول مُشفع؟! وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة؟! وأنه صاحب الشفاعة العظمى، ولن تُفتَح أبواب الجنة لأحد قبله؟!
- فسبحان الله الكريم المنان؛ سبحان من له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن.
- ودومًا فكما يقول الله: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين) َ [الأعراف: 196].
أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما رماها أهل الإفك والكذب والبهتان بما رموها به؛ لم تكن تتوقع يومًا أن ينزل في شأنها وحي يتلى، يتلوه أئمة المساجد في المحاريب والأطفال في الكتاتيب، ويتلوه أهل الأيمان، ويحفظونه في الصدور تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (5)
في حديث الإفك: ... وأنا والله حينئذٍ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن، والله ما كنت أظن أن يُنزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله -عز وجل- فيَّ بأمر يتلى، ولكن أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها. قالت: فوالله، ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله -عز وجل- على نبيه صلى الله عليه وسلم ... فذكرت آيات الإفك: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْْ) [النور: 11].
- فسبحان الله، كيف يُدبر الله أمر أهل الصلاح أحسن تدبير وأجمله، ويختار لهم أفضل السبل وأقومها؟ فله الحمد آناء الليل وأطرف النهار.
نرى في هذه السورة الكريمة عاقبة الظلم والبغي والطغيان والتكبر والتعالي على الخلق والخالق سبحانه وتعالى.
¥