تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 - وقدْ وردَ في أوائلِ السورةِ تذكيرٌ بالطورِ من خلالِ ذكر الوادي المقدسِ "طُوى"حيثُ ترجّى موسى أنْ يجدَ الهدى: "وهلْ أتاكَ حديثُ موسى. إذْ رأى ناراً فقالَ لأهلِهِ: امكُثوا إنّي آنسْتُ ناراً لعلّي آتيكم منها بقبَسٍ أو أجدُ على النارِ هدىً" (9 - 10)، وأمّا في سورةِ القصصِ فيقولُ الله تعالى: " فلمّا قضى موسى الأجلَ وسارَ بأهلِهِ آنسَ من جانبِ الطورِ ناراً قالَ لأهلِهِ: امكُثوا إنّي آنسْتُ ناراً لعلّي آتيكم منها بخبَرٍ أوْ جذوةٍ من النارِ لعلّكم تصطلونَ" (آية 29).

4 - وذُكِرَ الطورُ في الآيةِ 80 من السورةِ نفسِها حيثُ جاءَ في السورةِ حديثٌ عن موسى عليهِ السلامُ وما كانَ من عنادِ قومِه. وذِكْرُ موسى في تفانيهِ لهدايةِ بني إسرائيلَِ مرتبطٌ بالطورِ: "يا بني إسرائيلَ قدْ أنجيْناكم من عدوِّكم وواعدْناكم جانبَ الطورِ الأيمنَ ونزَّلْنا عليكمُ المنَّ والسلوى" (80) .. فما من رسولٍ إلّا كانَ حريصاً على أنْ يهتديَ قومُهُ، ولا يألو جهداً في العملِ على هداهم وطلبِ الآياتِ الهاديةِ لهم. فها هوَ موسى من قبْلِكِ قدْ شهدَ قومُهُ الآياتِ تتنزّلُ عليهم، والطورَ يرتفعُ فوقَهم، فاهتدوْا إلى حينِ. ولكنّهم، كثيراً منهم، قد عادوا للضلالِ: "قالَ يا هرونُ ما منعَكَ إذْ رأيتَهم ضلّوا. ألّا تَتَّبعنِ؟! أفعصيْتَ أمري؟ " (92 - 93) .. لقدْ كانَ موسى في حالةٍ غضبٍ وأسَفٍ، وأخذَ برأسِ أخيهِ يجرُّهُ إليْهِ. كادَ يشقى، كادَ يبخعُ نفسَهُ على آثارِهم ليهتدوا، ولكنّهم اتّبعوا الهوى فعادوا، كثيرٌ منهم، مغضوباً عليهم. والمحصّلةُ من القصّةِ هيَ أنْ تكونَ عبرةً للرسولِ في ضرورةِ أنْ يجنّبَ نفسَهُ الشقاءَ؛ لأنَّ الشقاءَ من عواقبِ الضلالِ؛ فليسَ محموداً منهُ أنْ يحرصَ على هداهم إلى حدِّ أنْ يشقى هوَ فيُضيعَ هداهُ: " .. فإمّا يأتينّكم منّي هدىً فمنِ اتّبعَ هدايَ فلا يضلُّ ولا يشقى" (123) .. فالأوْلى بهِ أنْ يحرصَ على هدى نفسِهِ أوّلاً: "طه. ما أنزلْنا عليْكَ القرآنَ لِتشقى"، بلْ أنزلَهُ ليكونَ بهِ أوّلَ مَنْ يتّبِعُ هداهُ .. وفي ذكرِ الطورِ في قصّةِ بني إسرائيلَ تذكيرٌ بأنَّ الأصلَ في الهدى هوَ أنْ يكونَ عنْ طريقِ الخشيةِ بالتذكرةِ وليسَ بالضرورةِ عنْ طريقِ الآياتِ الماديّةِ: "لعلّكَ باخعٌ نفسَكَ ألاّ يكونوا مؤمنينَ. إنْ نشأْ نُنّزِّلْ عليهم آيةً من السماءِ فظلّتْ أعناقُهم لها خاضعينَ" (الشعراء: 3 - 4).

5 - في مجيءِ كلمةِ "الهدى" يتمُّ التساوقُ معَ رؤوسِ الآياتٍ، ويتمُّ تناسبُ الفواصل: (الهدى)، تشقى، يخشى، العُلى، استوى، الثّرى، أخفى، الحُسنى، ...

6 - وردَ القسَمُ بالطورِ في قولِ اللهِ تعالى "والطور. وكتابٍ مسطور" في سورةِ "الطور" .. وهذا الكتابُ المسطورُ الذي قد يكون التوراةَ هوَ هدى .. وقد بيّنَ القرآنُ في غيرِ آيةٍ أنَّ التوراةَ نورٌ وهدى.

7 - الهدى هوَ اسمٌ للتوراةِ: "وآتَيْنا موسى الهدى" (غافر: 51).

8 - وقدْ جاءتِ "اهتدى" آخرَ كلمةٍ في السورة: "قلْ كلٌّ متربّصٌ فتربّصوا فستعلمونَ مَنْ أصحابُ الصراطِ السويِّ ومَنِ اهتدى". وكذلكَ تكرّرَ في السورة ذكرُ الهدى، وهدى، واهتدى بشكلٍ لافتٍ للنظرِ (في الآيات: 47، 50، 79، 82، 122، 123، 128، 135).

9 - يوجدُ في سورةِ "الطورِ" كثيرٌ ممّا يذكِّرُ بسورةِ "طه" .. من الأمرِ بالتذكيرِ والتسبيحِ، وطلبِ الصبر، ومن القولِ بالتربُّصِ وغيرِ ذلكَ.

10 - يقولُ اللهُ تعالى في الآيةِ "123" من سورةِ "طه" نفسِها: " ..... فإمّا يأتينّكم منّي هدىً فمنِ اتّبعَ هدايَ فلا يضلُّ ولا يشقى" .. فهنا قدِ ارتبطَ انتفاءُ الشقاءِ بوجودِ الهدى. فناسبَ هذا أنْ يكونَ الهدى مُشاراً إليْهِ قبلَ قولِهِ: "ما أنزلنا عليكَ القرآنَ لِتشقى"، أيْ إنّ في "طه" نفسِها تذكرةً بالهدى. أليستِ الهاءُ بكافيةٍ للتذكرةِ بالهدى؟

11 - وقدْ يسألُ بعضُنا: كيفَ سيكونُ سعيُهُ لهداهم هوَ ممّا يُشقيهِ؟ ..

ذلكَ لأنَّ شدّةَ الحرصِ على هداهم إذا لمْ تعملْ في هدايتِهم فعليّاً فإنَّها ستكونُ سبباً في أنْ يصيرَ غضبانَ أسِفاً فيبخعَ نفسَهُ ويهلكَها .. فمَنْ يغضَبْ يعطَبْ ومنْ يأسفْ يخسَفْ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير