ونعود إلى "الم" في أول سورة آل عمران " الم. اللهُ لا إله إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ" .. بماذا نعرّفُ اللهَ؟ بماذا ندعو اللهَ؟ نعرّفُه وندعوه ونسمّيهِ بأسمائهِ الحُسنى، فالأسماءُ الحسنى تعرّفُ اللهَ (هيَ هوَ) واللهُ يعرّفُها (وهوَ هيَ).
أما وصلتَ معيَ أنَّ "ألم" هيَ مختصراتُ ثلاثةٍ من الأسماءِ الحسنى؟ .. على الأقلِّ قد وصلتُ، وقد تلحقُ بي.
ألا تذكرُ أنّني أحلُّ الفواتحَ هكذا: "اعتبارُ أنَّكلَّ حرفٍ منها هوَ الحرفُ الأولُ من كلمةٍ قرآنيّةٍ يمكنُ أن نقدّرَها من الآيةِأوِ الآياتِ التاليةِ للفاتحةِ المشتملةِ على ذلك الحرفِ، أوْ من السورةِ نفسِها، أو حتى من سورةٍ أخرى، تقديراً يجعلُ لأحرُفِ الفاتحةِ معنىً معقولاً منسجماً معَالسياقِ والقرائنِ خاصّةً، ومعَ القرآنِ عامّةً"?
إذاً، فما هو حلُّ "الم" في فاتحة سورة آل عمران؟
كما قلنا فإنَّه بقرينةِ وجودِ لفظِ الجلالةِ في خبرِها باعتبارِها كلِّها في موضع مبتدأ، فإنَّها مختصراتٌ من أسماء الله الحُسنى .. فمن أيِّ اسمٍ جاءَ الألفُ؟ ومنْ أيِّ اسم جاءَ اللام؟ ومنْ أيِّ اسم جاءَ الميم؟
1 - أمّا بالنسبةِ لأسماء اللهِ الحسنى التي تبتدئُ بالألف فهيَ: الأحد (أحد)، والأول (أول)، والآخرُ (آخر). فأيُّها نختارُ معَ أنَّها كلّها مقبولة؟
لقد قلنا إنَّ القرائن والسياقَ تساعدُ في التقدير .. فماذا تفهم من قولِ الله تعالى "اللهُ لا إلهَ إلّا هوَ .. " .. ألا يخبرُكَ بأنّهُ "الأحد" (أحد)؟ .. بلى. إذاً فالألف هي من "الأحد" (نأخذ الحرف الأول بعدَ أل التعريف).
2 - ولا يبدأُ من أسماء الله الحسنى باللام إلّا اللطيف (لطيف)؛ فاللام في "الم" هي من اللطيف (نأخذ الحرف الأول بعدَ أل التعريف).
3 - وأمّا بالنسبةِ لأسماء اللهِ الحسنى التي تبتدئُ بالميم فمنها: الملك (ملك)، والمالك (مالك)، والمجيد (مجيد)، والمؤمن (مؤمن)، والمتعال (متعال)، والمتكبر (متكبر)، والمهيمن (مهيمن)، والمبدئُ (مبدئ)، والمعيد (معيد)، والمحيي (محيٍ) والمميت (مميت)، والمصوّرُ (مصور). فأيُّها نختارُ معَ أنَّها كلّها مقبولةٌ؟ ..
نختارُ "الملك" أوِ "المالك"؛ لأنَّ القيّومَ تذكّرُنا بالملكِ: "اللهُ لا إلهَ إلّا هوَ الحيُّ القيّومُ لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ له ما في السماواتِ وما في الأرضِ .. " .. فاللامُ في "لهُ" هي للملكيةِ، ولأنَّ الأحديةَ أوْ الواحديةَ هيَ الألصقُ بالملك: " .. لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ اللهُ لفسدتا" .. "لِمنِ الملكُ اليومَ؟ للهِ الواحدِ القهار" .. وفي سورة آل عمران قولُ الله تعالى: "قلِ اللهمَ مالكَ الملكِ تؤتي الملكَ مَنْ تشاءُ وتنزعُ الملكَ ممَنْ تشاءُ وتُعِزُّ مَنْ تشاءُ وتُذِلُّ مَنْ تشاءُ بيدِكَ الخيْرُ إنّكَ على كلِّ شيءٍ قدير ".
وبالجملةِ، فإنَّ "الم" هيَ في التقدير: (الأحدُ اللطيفُ الملكُ).
"الم (الأحدُ اللطيفُ الملكُ). اللهُ لا إلهَ إلاّ هوَ الحيُّ القيّومُ".
لقدْ قلتُ أعلاهُ بأنَّ "الم" واردةٌ في ابتداءِ الكلامِ، فلْنأخُذْها أنّها مبتدأ .. فأينَ خبرُهُ؟ ". نقدرها كلَّها مبتدأ. ولكن عندما تبيّنَ أنّها في التقديرِ هيَ: "الأحدُ اللطيف الملكُ" فقدْ أصبح واضحاً أنَّ الابتداءَ الأصليَّ كان من حقِّ "الأحد" .. ومن هنا يكونُ "اللطيف" بدلاً، ويكون "الملكُ" بدلاً، ومن الصوابِ أنْ نقولَ بأنَّ بدلَ المبتدأِ هوَ أيضاً مبتدأٌ ولذلك يتبعهُ في الرفعِ. وتلاحظُ أنني قلت عن إعراب "الرحمن" في بسم الله الرحمن الرحيم بأنها بدل؛ فلا أراها نعتاً ولا عطفَ بيانٍ.
حسناً، بهذا التقدير "الأحد اللطيف الملك" صار لِفاتحة "الم" في سورةِ آل عمران وليسَ في غيرِها، حلٌّ يستوعبُهُ أولو الألباب. صارتْ مفهومةً لكلِّ ذي حِجْرٍ. ها إنَّ "الم" بهذا التقدير: "الأحد اللطيف الملك" قد أسفرتْ لكلِّ ذي بصيرةٍ عنْ معنىً ليسَ كفلقِ الفجرِ فحسْبُ بل كالشمسِ مشرقةً في يومٍ ذي صحوٍ لذي عينيْن كزرقاءِ اليمامة.
¥