و أما الرواية التي أتى بها الجابري باللفظ المنكر " والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها" فضعيفة، و لأجل ذلك تنكب روايتها البخاري في الصحيح، و هي من أوهام سفيان بن عيينة كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح. و لا يقال بأنها ثبتت في رواية الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ... ، فأقول بأن قضية سماع سعيد بن المسيب من عمر مختلف فيها، و الراجح أنه لم يسمع منه هذا الحديث أو لم يضبطه بدليل روايات أخرى توضح كلام عمر و موقفه، من ذلك ما رواه أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء"، قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على هذا المنبر - يعني منبر المدينة: إني لأعلم أقواماً سيكذبون بالرجم يقولون: ليس في القرآن، ولولا أني أكره أن أزيد في القرآن ما ليس فيه لكتبت في آخر ورقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم، ورجم أبو بكر، وأنا قد رجمت.
قال أبو نعيم: هذا حديث ثابت مشهور، رواه عن سعيد بن المسيب: يحيى بن سعيد الأنصاري وداود وغيرهما. تأمل هذا الكلام و تدبر.
و نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن المهلب بن أبي صفرة خلال شرحه لخطبة عمر التي تحدث فيها عن آية الرجم قوله: و فيه اهتمام الصحابة و أهل القرن الأول بالقرآن و المنع من الزيادة في المصحف، و كذا منع النقص بطريق الأولى، لأن الزيادة إنما تمنع لئلا يضاف إلى القرآن ما ليس منه فاطراح بعضه أشد، قال: و هذا يشعر بأن كل ما نقل عن السلف كأبي بن كعب و ابن مسعود من زيادة ليست في الإمام إنما هي على سبيل التفسير و نحوه، قال: و يحتمل أن يكون ذلك كان في أول الأمر ثم استقر الإجماع على ما في الإمام، و بقيت تلك الروايات تنقل لا على أنها ثبتت في المصحف.
و قوله –أي الجابري-: و قيل: إن عمر أتى بهذه الآية إلى زيد بن ثابت حين كان يجمع القرآن فلم يأخذها منه لأنه –أعني عمر- كان وحده، و زيد كان اشترط شهادة رجلين فيما يأخذ من الآيات.
قلت: و هذا كذب، و الصواب ما رواه الحاكم في المستدرك قال: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الحسين بن محمد بن زياد، ثنا محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، قالا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن كثير بن الصلت، قال: كان سعيد بن العاص، وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمرا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» فقال عمر: «لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبها؟ فكأنه كره ذلك» فقال له عمر: «ألا ترى أن الشيخ إذا زنى وقد أحصن جلد ورجم، وإذا لم يحصن جلد، وأن الثيب إذا زنى وقد أحصن رجم» «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: فيستفاد من الحديث السبب في نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها.
ثم قال –أي الجابري-: و روي عن عائشة أنها قالت: "نزلت آية الرجم و رضاع الكبير عشرا، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و تشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها".
قلت: رواه ابن ماجه في السنن قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ و عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا".
و أحمد في المسند قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمان، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قالت: "لقد أنزلت آية الرجم، ورضعات الكبير عشرا، فكانت في ورقة تحت سرير في بيتي، فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بأمره ودخلت دويبة لنا فأكلتها".
قلت: و هذا الحديث آفته محمد بن إسحاق، فعليه المدار، و قد تفرد، و في هذه الحال لا يقبل حديثه عند أهل الحديث، قال أيوب بن إسحاق: سألت أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، ابن إسحاق إذا تفرد بحديث تقبله؟ قال: لا، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من ذا.
وقال عباس الدوري: سمعت أحمد بن حنبل يقول - وسأله رجل - فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في محمد بن إسحاق، وموسى بن عبيدة الربذي؟ فقال: أما موسى بن عبيدة فكان رجلا صالحا، حدث بأحاديث مناكير، وأما ابن إسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث - يعني المغازي ونحوها - فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا، قال أحمد بن حنبل بيده، وضم يديه وأقام أصابعه الإبهامين.
فكيف يقبل خبره في كلام الله تعالى، الذي أتلف من قبل الداجن!؟ اللهم عفوك.
و لأجل هذا رده العلماء و طعنوا فيه منهم، القرطبي المفسر، قال: و أما ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليف الملاحدة و الروافض.
و لا أدري لم أعرض الجابري عن هذا الكلام و لم يدرجه في كتابه، بعد أن وقف عليه، و تأمله، أم أنه تغاضى عنه لحاجة في نفسه!؟
¥