تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: إن المعروف عن النجدات خلاف ذلك، وإنما هذا قول نافع بن الأزرق، فهو أول من أحدثه. بل كان هذا الإحداث من ضمن أسباب رياسة نجدة كما قال البغدادي: " ذكر النجدات منهم هؤلاء أتباع نجدة بن عامر الحنفى وكان السبب في رياسته وزعامته؛ أن نافع بن الازرق لما أظهر البراءة من القعدة عنه، إن كانوا على رايه وسماهم مشركين، واستحل قتل أطفال مخالفيه ونسائهم وفارقه أبو قديل وعطية الحنفى، وراشد الطويل ومقلاص وأيوب الأزرق وجماعة من أتباعهم وذهبوا إلى اليمامة فاستقبلهم نجدة بن عامر في جند من الخوارج يريدون اللحوق بعسكر نافع فاخبروهم بأحداث نافع وردوهم إلى اليمامة وبايعوا بها نجدة بن عامر، وأكفروا من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم، وأكفروا من قال بإمامة نافع وأقاموا على إمامة نجدة إلى أن اختلفوا عليه في أمور نقموها منه " (24) أهـ.

وهذا نص ما نقله الشهرستاني " النجدات العاذرية: أصحاب نجدة بن عامر الحنفي، وقيل عاصم، وكان من شأنه أنه خرج من اليمامة مع عسكره يريد اللحوق بالأزارقة فاستقبله أبو فديك وعطية بن الأسود الحنفي في الطائفة الذين خالفوا نافع بن الأزرق، فأخبروه بما أحدثه نافع من الخلاف بتكفير القعدة عنه وسائر البدع، وبايعوا نجدة وسموه بأمير المؤمنين " (25) أهـ.

وفي قول البغدادي ((وأكفروا من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم)) ما يدل بوضوح على أن النجدات لم يكفروا القعدة عنهم حتى لو كانوا في دار التقية.

فضلاً عن القعدة عن القتال في دار العلانية التي ظهرت فيها أحكام الخوارج. والذي أحدثه نافع بن الأزرق أيضاً. وجعله شركاً استدل له بقوله تعالى ((وقعد الذين كذبوا الله ورسوله)).

الثاني: أما قول هذا البعض من الناس " كما نقل الشهرستاني وابن حزم أن النجدات يستحلون دماء القعدة عنهم وأموالهم ". ففاسد جداً فليس في الملل والنحل للشهرستاني ما يدل على هذا لا من قريب ولا من بعيد، بل فيه ما يدل على خلافه.

أما الذي ذكره ابن حزم فمع عدم دقته ليس مطلقاً، قال ابن حزم: " وقالوا من ضعف عن الهجرة الى عسكرهم فهو منافق واستحلوا دم القعدة وأموالهم " أهـ.

فهذا إذن مقيد بالقعدة في دار التقية إذا ثقلوا عن الهجرة إليهم، هذا ظاهر عبارة ابن حزم وإن كانت غير دقيقة. والظاهر أنها مأخوذة من كلام أبي الحسن، وعبارة أبي الحسن أدق، قال: " وقالوا: ومن ثقل عن هجرتهم فهو منافق، وحكي ـ تأمل وحكي ـ عنهم أنهم استحلوا دماء أهل المقام وأموالهم في دار التقية، وبرئوا ممن حرمها " (26) أهـ.

فأبو الحسن قيد العبارة بدار التقية، وصدر العبارة بـ " حكي " التي تفيد التضعيف لماذا؟

لأن الظاهر من مذهب النجدات إعذار القعدة في دار التقية أيضاً وترك تكفيرهم؛ لأن هذا كان من ضمن ما نقموا على نافع من الإحداث، وأكفروه لأجله.

والظاهر كذلك من الرسائل المتبادلة بين نجدة ونافع أن نجدة كان يرى التقية. بخلاف نافع الذي أحدث في الخوارج عدم التقية في قول أو عمل.

الثالث: لو سلمنا جدلاً بأن النجدات يستحلون دماء القعدة عن الهجرة إليهم ـ وهو غير مسلم ـ إذا لم يتثاقلوا عن ذلك، لكان هذا فرع عن التكفير العام للدار واستحلال عمومها تبعاً للحكم بالكفر على الراية التي تعلوها. ولا يلزم من الاستحلال العام للدار تكفير كل أحد في الدار، فأكثر الخوارج على أن أهل ديار مخالفيهم خلط. وإن كان هذا لا يمنعهم من الاستحلال العام للدار.

الرابع: لو سلم أنهم يستحلون دماء القعدة عنهم في دار التقية لتكفيرهم، لكان لتثاقلهم ونفاقهم كما قالوا (ومن ثقل عن هجرتهم فهو منافق)، ولكان استدلالهم مثل استدلال نافع، الذي استدل على ذلك بقوله تعالى: ((إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا)). وسماهم مشركين استدلالاً بقوله تعالى (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله).

فهذا يبين حقيقة قول " ضعف عن الهجرة إليهم في قول ابن حزم " و قول " ثقل " في قول أبي الحسن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير