تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القرينة الظاهرة للمخاطبين المعلومة بالبديهة والحس العام هي من القرائن المتصلة بالخطاب، وهي أبلغ من القرائن اللفظية المتصلة

253

الألفاظ التي يسميها النحاة ظروفا يتنوع تعلقها بمعاني الأسماء والأفعال التي يسميها النحاة مظروفة بحسب حقائق تلك المظروفات، وهذا الموضع من لم يهتد لهذا التنوع فيه وإلا ضل، كما ضل كثير من الناس حتى وجدوا ما يسميه أهل اللغة ظروفا وأوعية من شأنه ألا يكون هو المظروف الموعى فيه كالمائعات في الآنية وكالجامدات فيما يحيط بها من الملابس والمساكن وغير ذلك، ورأوا النحاةَ يسمون ألفاظا ظروفا فاعتقدوا أن معنى هذه في اللغة أن تكون محيطة بالمظروف حاوية له كما يحيط ظرف اللبن والخمر والماء بذلك ويقول أحدهم (في) للظرفية، فالظرف يكون حاويا للمظروف، وهذا غلط، فإن العرب لم يقولوا (في) للظرفية حتى يجعل معنى أحد اللفظين في كلامهم هو معنى الآخر، لأن الأصل عدم الاشتراك، بل نطقوا بهذه / الأدوات في مواضعها مستوفين لتعلقها بما تعلقت به بحسب تلك الحقائق، وإن كان يكون بين تلك المعاني قدر مشترك لكن ذلك القدر المشترك مطلق لا وجود له في الخارج بل الذهن يجرده، إذ هم لم يتكلموا بهذه الأدوات مطلقة قط.

ثم إن النحاة رأوا ذلك المعنى المشترك فيه نوع مشابهة لما تسميه العرب (من الأجسام ظرفا فسموه ظرفا حقيقة عرفية خاصة اصطلاحية ليست هي اللغة التي تكلم بها العرب) وجاء بها القرآن والحديث وهكذا سائر اصطلاحهم مثل الفاعل والمفعول والحال والصفة والتمييز والمعرب والمبني والمبتدأ والخبر ونحو ذلك، فإن العرب لا تفرق بين الجملة الاسمية والفعلية في تسمية كل منهما خبرا [صادقا أو كاذبا] ولا يسمى المفرد الذي لا يستقل بالإفادة خبرا، فتسمية المفرد الذي هو أحد ركني الجملة [خبرا] وتخصيص ذلك بالجملة الاسمية دون الفعلية بل تخصيص ذلك بالجزء الثاني منها دون الأول هذا لفظ النحاة واصطلاحهم، وإن كان بينه / وبين اللغة الأصلية نوع تعلق يجعله بالنسبة إليها مجازا، كما سمع بعض الأعراب قوما من النحاة يتحدثون باصطلاحهم فقال: قوم يتكلمون في كلامنا بغير كلامنا ليصلحوا به كلامنا.

وكذلك اسم الفاعل هو الاسم الذي أسند إليه الفعل ونحوه متقدما عليه مثل قام زيد وأقام زيد ونحو ذلك ولا يسمون الاسم الظاهر في قولك زيد قائم فاعلا بل مبتدأ، ومن المعلوم أن لفظ الفاعل ليس لمسماه في اللغة لفظ، ولا يختص إذا جعل اسما لاسم الفاعل عن قديم أو آخر بل هذا اصطلاح احتاجوا إليه لبيان قوانين اللغة العربية في نحوها وتصريفها، وهو من أنفع الأشياء في معرفة الأدلة السمعية، واللغة العربية، لكن ينبغي أن يعرف اصطلاح اللغات ليحمل كلام كل متكلم على لغته وعادته، ومثال ذلك في الأدوات التي يسميها النحاة ظروفا أنهم يقولون: رأيت فلانا في داره ويقولون: رأيت فلانا في المرآة أو الماء ويقولون: رأيت فلانا في المنام، فلفظ (في) التي يسميها النحاة ظرف مكان موجود في المواضع الثلاثة، مع العلم بأنه ليس المعنى الظاهر ولا حقيقة اللفظ في قولهم: في البيت مثل قولهم: في المرآة / ولا مثل قولهم في المنام، وكل من الألفاظ الثلاثة حقيقة في معناه، وقوله رأيته في المرآة حقيقة ومعنى ظاهر لا مجاز ولا خلاف الظاهر، وكذلك قوله رأيته في المنام معناه ظاهر وهو أيضا حقيقة هذا اللفظ مع العلم بأن ظاهر اللفظ الأول أن ذاته قد كانت في داره، وليس ظاهر اللفظين الآخرين أن ذاته كانت في المرآة ولا في نفس الرائي، ومع العلم بأن كونه مرئيا في المرآة ووجوده في المرآة ليس مساويا لكونه مرئيا في المنام ولا لوجوده في نفس الرائي، وذلك لاختلاف حقائق المَحَالّ وتعلق الحال بها التي هي معاني لفظ الظرف، فليست الدار كالمرآة ولا المرآة كنفس الرائي، ولا وجود زيد في الدار كوجوده في المرآة أو نفس الرائي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير