ثم يسمون المفعول باسم المصدر سنة جارية لهم، فيقولون لما يوصف به من المعاني صفة، ثم قد يغلب أحد اللفظين في بعض الاصطلاحات كما اصطلح طائفة من الناس على أن جعلوا الوصف اسما للقول والصفة اسما للمعنى، كما أن طائفة أخرى جعلوا الجميع اسما للقول، والتحقيق أن كلا منهما يدل على هذا
466
وإن أراد به أن لفظ الصفة قد لا يراد به إلا ما يقوم بالأعيان من المعاني كالعلم والقدرة فهذا باطل، لا يوجد في الكلام أن قول القائل: صورة فلان يراد بها مجرد الصفات القائمة به من العلم والقدرة ونحو ذلك. بل هذا من / البهتان على اللغة وأهلها.
468
فهذه التأويلات التي هي ذكر دلالة اللفظ على معنى من المعاني تارة يكون المعنى باطلا، وتارة يكون اللفظ غير دال عليه، وتارة يكون اللفظ دالا على نقيضه، وضده، وتارة يجتمع من ذلك ما يجتمع، وهذا شأن أهل التحريف والإلحاد نعوذ بالله من الغي والزيغ ونسأله الهدى والسداد.
...
إذ كل ما [؟] تقدم الزمان كان الناس أقرب إلى السداد في الثبوتات والقياسات الشرعيات والعقليات، وكان قدماء الجهمية أعلم بما جاء به الرسول وأحسن تأويلا من هؤلاء
471
وأيضا فتسمية ما قدر صورة ليس له أصل في كلام الله وكلام رسوله .... وإن كان من المتأخرين من يقول: لفلان عند فلان صورة عظيمة، وهذا الأمر مصور في نفسي، لكن مثل هذا الخطاب لا يجوز أن يحمل عليه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون ذلك من لغته التي خاطب بها أمته.
478
ولا يجوز أن يجمعوا على تكفير من لا وجود له.
479
[الرازي] وإن عنيتم بالمشبه من يقول: الإله جسم مختص بالمكان. فلا نسلم انعقاد الإجماع / على تكفير من يقول بذلك، بل هو دعوى للإجماع في محل النزاع فلا يلتفت إليه.
480
وهذا الكلام قد نبهنا عليه غير مرة في هذا، وفي الأجوبة المصرية، وفي جواب المسألة الصرخدية* وغير ذلك، وفي بيان شبهة التركيب والتجسيم وشبهة التشبيه.
والاتفاق والاشتراك بين الموجودين يكون في مراتب الوجود الأربعة ....
[المحقق: لم أقف على هذا الجواب مطبوعا، ولم أجد له ذكرا فيما اطلعت عليه من الكتب التي عنيت بذكر مصنفات شيخ الإسلام]
485
فلما كان لفظ التشبيه يقال على ما يجب انتفاؤه وعلى ما يجب إثباته لم يرد الكتاب والسنة به مطلقا لا في نفي ولا إثبات.
488
ولا يجوز أن يكون النفي مختصا بالقسم الأول [التشبيه من جميع الوجوه] لأن هذا لم يعتقده أحد من البشر
535
وذلك هو ظاهر الخطاب في الموضعين [إضافة الصفة وإضافة المخلوق]
لأن الأعيان القائمة بنفسها قد علم المخاطبون أنها لا تكون قائمة بذات الله، فيعلمون أنها ليست إَافة صفة، وأما الصفات القائمة بغيرها فيعلمون أنه لا بد لها من موصوف تقوم به وتضاف إليه، فإذا أضيفت علم أنها أضيفت إلى الموصوف التي هي قائمة به.
538
هذا التشبيه من باب العبث؛ لأن العلة في المشبه به مثل من يقول لأحد ابنيه إنما أكرمتك لأنك مثل ابني الآخر في معنى البنوة
540
ومعلوم أن حمل الحديث على هذا يوجب سقوط فائدته .... ومثل هذا الكلام لا يضاف إلى أدنى الناس فضلا عن أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
561
والمقصود أنهم في تأويلهم مثبتون لنظير ما فروا منه، فإنهم فروا من التشبيه ولم يتأولوه إلا على التشبيه
564
فإن التشبيه إذا ساغ إنما يسوغ في صفات الكمال، وهذا تشبيه لله بخلقه في صفات النقص.
566
فيكون بيان هذا المعنى بهذا اللفظ خارجا عن قانون الخطاب ليس بحقيقة عندهم ولا مجاز، إذ من شرط المجاز ظهور القرائن المثبتة للمراد، وليس عند المخاطبين قرينة تبين ذلك.
568
فكيف يجوز أن يحمل عليه ألفاظ الرسول حتى يجعل متشابه كلامه مناقضا لمنصوصه ومحكمه.
573
وهذا وإن كان ابن عقيل يذكره في موضع فإنه في موضع آخر يتأوله على الصورة المخلوقة كما تقدم ذلك، فإن هؤلاء لا يثبت أحدهم على مقام بل هم كثيرو الاضطراب، وما من شيء يقوله المؤسس وأمثاله إلا وقد يقوله ابن عقيل ونحوه في بعض الأوقات والمصنفات وإن كان قد يرجع عن ذلك كما يرجع عن غيره.
580
وإنما المقصود هنا إبطال كل تأويل فيه تحريف الكلم عن مواضعه، وإلحاد فيه، ورد لما قصد بالنص، فيرد ما كذبوا به من الحق، لا ما قصدوا به من الحق، فإن هذا شأن المحرفين لنصوص الصفات، إذا حملوا الحديث على ما هو ثابت في نفس الأمر لم ننازع في ذلك المعنى الصحيح، ولا في دلالة الحديث عليه إذا احتمل ذلك
581
فإن خطأ النظار فيما كذبوا به ونفوه أكثر من خطئهم فيما صدقوا به وعلموه.
583
وأهل السنة وإن قالوا إن الأنبياء والأولياء أفضل من الملائكة، فلا يقولون إن جنس الآدميين مطلقا أفضل من جنس الملائكة بل في بني آدم من هو شر من البهائم.
589
وإنما معنى كون آدم وداود والآدميين خلائف أنهم / يخلفون غيرهم من المخلوقات، لا أنهم يخلفون الخالق
592
ولهذا قيل للصديق: يا خليفة الله، فقال: لست بخليفة الله، ولكن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسبي ذاك.
594
وذلك لأن الخليفة لا يكون إلا مع تغيب المستخلف، لا مع شهوده، والله شهيد على عباده، لا يغيب عنه شيء مدبر للجميع، فلا يستخلف من يقوم مقامه في ذلك، كما يستخلف المخلوق للمخلوق، بل هو الخالق لكل شيء.
599
وهؤلاء بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر، ولهذا جاءت الشريعة بذلك، فجعل الفقهاء الشركة في التصرف مبنية على الوكالة، وأن الشريك يتصرف لنفسه بحكم الملك، ولشريكه بحكم الوكالة والنيابة.
613
ثم إن صاحب الفصوص وهو مع كونه إمامهم فهو أبعدهم عن محض الإلحاد، لما يوجد في كلامه من لبس الحق بالباطل، يفرق بين الوجود والثبوت فيقول: إن الأشياء ثابتة بأعيانها في القدم ونفس الوجود الفائض عليها هو / وجود الحق، فيوافق من يقول إن المعدوم شيء في الخارج، لكن يجعل وجود الكائنات عين وجود الحق، ولا يجعل وجودا متميزا عن المخلوقين، ولهذا يضطرب فيجعله هو هو من وجه، وهو غيره من وجه، لأن الفرق بين الوجود والثبوت فرق باطل.
[انتهت الفوائد المنتقاة من المجلد السادس بحمد الله]
¥