وتبين بذلك أن كلام أحمد ليس بمختلف، بل كلام / أحمد نظير كلام ابن عباس رضي الله عنهما، تارة يقيد الرؤية بالقلب، وتارة يطلقها.
265
قال [أبو يعلى] والدلالة على إثبات رؤيته تعالى قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} .... الثالث من غير رسول ولا حجاب وهو كلامه لنبينا في ليلة الإسراء، إذ لو كان من وراء حجاب أو كان رسولا دخل تحت القسمين، ولم يكن للتقسيم فائدة ... / قلت: هذه الحجة أخذها القاضي أبو يعلى من أبي الحسن الأشعري ونحوه، فإنهم احتجوا بها على أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وهذه حجة داحضة، فإن هذا خلاف ما أجمع عليه الصحابة والتابعون في تفسر الآية الكريمة.
وأيضا فإن الله أخبر بأنه ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا على هذه الوجوه الثلاثة، فلو كان المراد بذلك أنه يكلم تارة مع المعاينة وتارة مع الاحتجاب وتارة بالمراسلة لم يكن لهذا الحصر معنى، ولم يكن فرق بين الله تعالى وبين غيره في ذلك، ولم يكن نفى بهذا الحصر شيئا، فإن المكلم من البشر إما أن يعاينه المخاطب أو لا يعاينه، وإذا لم يعاينه فإما أن يخاطبه بنفسه أو رسوله، فلو كان المراد ما ذكر لزم هذه المحاذير.
268
قال القاضي: ويدل عليه ما حدثناه ... / رأيت ربي مشافهة لا شك فيه ....
قلت: هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله / صلى الله عليه وسلم بلا نزاع بين أهل العلم بالحديث، والقاضي لم يعلم أنه موضوع، ورواه له أبو القاسم الأزجي فيما خرجه في الصفات، وأبو القاسم ثقة، لكن الكذب فيه ممن فوقه، ولم يحدث بهذا روح بن عبادة ولا أبو الزبير أصلا، وأهل الحديث يعلمون ذلك، ولا يصلح أن يكون هذا اللفظ من ألفاظ رسول الله، فإن المشافهة إنما تقال في المخاطبة لا في الرؤية، فيقال: يخاطبه مشافهة، كما قال من قال من السلف كلم موسى تكليما أي مشافهة، لا يقال في الرؤية مشافهة، فإن المشافهة في الأصل مفاعلة من الشفة التي هي فينا محل الكلام، وأما الرؤية فيقال فيها مواجهة ومعاينة، فيشتق لها من الوجه والعين الذي تكون به الرؤية.
285
ولا ريب أن المثبت أولى من النافي فـ[ـيـ]ـما كان من باب الرواية كما قدم الناس رواية بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت على قول أسامة: / إنه لم يصل.
وقد قالوا: هذا لا يقال بالقياس، وإنما يقال بالتوقيف فيكون من باب الرواية، لكن قد يقال: ونفي ذلك أيضا لا يؤخذ بالقياس وإنما يقال بالتوقيف، فإن كون رؤية محمد ربه وقعت أو لم تقع هو من الأخبار التي لا تعلم بمجرد القياس، وعائشة رضي الله عنها لما نفت ذلك لم تستند مع استعظام ذلك أن تكون في الدنيا إلا إلى ما تأولت من الآيتين وابن عباس ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى {ولقد رآه نزلة أخرى} فكلامه أيضا كان في تأويل القرآن.
293
[ابن خزيمة] لست أستحل أن أحتج / بالتمويه ولا أستجيز أن أموه على مقتبسي العلم
317
هذا الحديث كذب موضوع [يعني حديث لما كانت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة .... فوضع يده حتى وجدت فذكر كلمة ذهبت عني] على هذا الوجه بلا نزاع بين أهل العلم بالحديث، ولهذا لم يذكره الإمام أحمد فيما ذكره من أخبار هذا الباب، ولا أحد من أصحابه الذين أخذوا عنه لا فيما يصححون ولا فيما عللوه، وكذلك ابن خزيمة لم يذكره، لا فيما صححه ولا فيما علله، ولا رووه الأئمة الذين جمعوا في كتب السنة أحاديث الباب، كابن أبي عاصم والطبراني وابن منده وغيرهم، لأنه من الموضوعات التي لا يجوز ذكرها لمن علم بها إلا أن يبين أنها موضوعة ...
وهذا الحديث من أبطل الباطل عن سفيان الثوري، / والحسن بن صالح بن حي، لم يأت به عنهما أحد من أصحابهما مع كثرتهم واشتهارهم.
322
ولكن إنما اعتقد صحة هذا من لم يكن له بالحديث وألفاظه وروايته خبرة تامة، من جنس الفقهاء وأهل الكلام والصوفية ونحوهم، فلهذا ذكروه من بين متأول، ومن بين راد للتأويل. ثم المثبتة تزيد في الأحاديث لفظا ومعنى، فيثبتون بعض الأحاديث الموضوعة صفات! ويجعلون بعض الظواهر صفات! ولا يكون كذلك. والنافية تنقص الأحاديث لفظا ومعنى، فيكذبون بالحق، ويحرفون الكلم عن مواضعه.
325
¥