فأما قوله في رواية الأثرم: يُضطرب في إسناده وأصل الحديث واحد، وقد اضطربوا فيه، فهذا كلام صحيح، فإنهم اضطربوا في إسناده بلا ريب. لكن لم يقل إن هذا يوجب ضعف متنه، ولا قال: إن متنه غير ثابت، بل مثل هذا الاضطراب يوجد في أحاديث كثيرة وهي ثابتة.
وهذه الطرق مع ما فيها من الاضطراب لمن يتدبر الحديث، ويحسن معرفته، يدل دلالة واضحة على أن الحديث محفوظ / صحيح الأصل، لا ريب في ذلك، بل قد يوجب له القطع بذلك كما نبهنا عليه أولا
326
والزيادة من الثقة مقبولة
327
والأشبه أن الاضطراب في هذه الرواية وقع من خالد نفسه، وأنه كان لا يذكر في أكثر الروايات إلا ابن عائش، ولهذا لم يذكر أبو قلابة عنه إلا ما يشتبه بابن عائش. وبالجملة فأي الروايتين كانت هي المحفوظة صح الحديث؛ إذ تعارضهما إما أن يوجب صحة إحداهما، أو يوجب الجمع بينهما، وعلى كل تقدير، فالحديث محفوظ، فأما طرحهما جميعا فإنما يكون إذا تعارض متنان متناقضان.
327
وأما ما ذكره ابن خزيمة / من كون يحيى مدلسا لم يذكر السماع فهذا لا يضر هنا؛ لأن غاية ما فيه أن يكون أخذه من كتاب زيد بن سلام. كما حكي عنه أنه كان يحدث من كتاب أبي سلام إما لمعرفته بخطه، وإما لأن الذي أعطاه قال له هذا خطه. وهذا مما يزيد الحديث قوة؛ حيث كان مكتوبا، ولهذا كان إسناده ومتنه تاما في هذه الطريق بحمله [لعلها بجمله أو بجملته] دون الأخرى. والاحتجاج بالكتاب (في) مثل هذا جائز، كالاحتجاج بصحيفة عمرو بن حزم، وصحيفة عبد الله بن عمرو التي رواها عمرو بن شعيب؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم / يكتب كتبه إلى النواحي فتقوم الحجة بذلك، فمن المعلوم أن هذا الطريق يبين أن الحديث عن ابن عائش، إذ مثل هذا الطريق إذا ضمت إلى طريق خالد بن اللجلاج كان أقل أحوال الحديث أن يكون حسنا، إذ روي من طريقين مختلفين ليس فيهما متهم بالكذب، بل هذا يوجب العلم عند كثير من الناس، ولهذا كان الأئمة يكتبون [من] الشواهد والاعتبارات ما لا يحتج به منفردا؛ والذي ذكر ابن خزيمة من أنه لم يثبت طريق معين من هذه الطرق هذا فيه نزاع بين أهل الحديث. لكن إذا ضمت بعضها إلى بعض صدق بعضها بعضا. فهذا مما لا يتنازعون فيه. لكن ابن خزيمة جرى على عادته أنه لا يحتج إلا بإسناد يكون وحده ثابتا. فإنه كثيرا ما يدخل في الباب الذي يحتج له من الشواهد والاعتبارات أشياء فلا يحتج بها. فما قاله لا ينافي ما اتفق عليه أهل العلم.
334
فالأشبه أن لفظ (أتاني آت) هو من رواية بعض الرواة بالمعنى، كأنه عدل عن لفظ ربي، إما خوفا على نفسه، أو على المستمع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا ريب أنه قال ذلك اللفظ كما تواترت به الطرق.
339
وكنت حين كتبت ما كتبته بمكان لا يصل إليَّ فيه الكتب وكنت أعلم أن هذا الحديث في جامع الترمذي؛ لكن لم يكن حاضرا عندي، فلما حضر إليّ بعد ذلك وجدته قد تكلم عليه نحوا مما تكلمت، وبين أنه حديث صحيح، وذكر عن البخاري أنه حديث صحيح
[هذا دليل واضح للرد على من يقول إن ابن تيمية كان يصنف كل شيء من حفظه]
344
ثم رأيت أبا بكر بن أبي عاصم روى هذا الحديث في كتاب السنة من طرق أخرى
[وهذا أيضا دليل آخر على ما سبق]
356
فإن ضعف إسناد الحديث لا يمنع أن يكون متنه ومعناه حقا، ولا يمنع أيضا أن يكون له من الشواهد والمتابعات ما يبين صحته. ومعنى الضعيف عندهم أنا لم نعلم أن راويه عدل، أو لم نعلم أنه ضابط. فعدم علمنا بأحد / هذين يمنع الحكم بصحته، لا يعنون بضعفه أنا نعلم أنه باطل، فإن هذا هو الموضوع، وهو الذي يعلمون أنه كذب مختلق. فإذا كان الضعيف في اصطلاحهم عائدا إلى عدم العلم، فإنه يطلب له اليقين والتثبيت.
فإذا جاء من الشواهد بالأخبار الأخرى وغيرها ما يوافقه صار ذلك موجبا للعلم بأن راويه صدق فهي وحفظه والله تعالى أعلم
359
¥