تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المعلوم أن إحسان الظن بالمسلمين واجب، فكيف بأولياء الله الصالحين! ولمّا حكى الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه " بستان العارفين " عن الشيخ أبي الخير التيناني [ت 343 هـ] حكاية ظاهرها الإنكار قال: " قلت: قد يتوهم من يتشبه بالفقهاء ولا فقه عنده أنه يُنْكَر على أبي الخير هذا، وهذه جهالة وغباوة ممن يتوهم ذلك، وجسارة منه على إرسال الظنون في أفعال أولياء الرحمن! فليحذر العاقل التوخي لشيء من ذلك، بل حقُّه إذا لم يفهم حِكَمَهُم المُستفادة ولطائفهم المُسْتَجادَة أن يتفهمها ممن يعرفها. وكل شيء رأيتَه من هذا النوع مما يتوهم من لا تحقيق عنده أنه مخالف – ليس مخالفًا؛ بل يجب تأويل أقوال أولياء الله تعالى" ا هـ.

والحاصل أن الإمام أبا بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي الأندلسي الظاهري، والمعروف بالإمام محيي الدين بن العربي، والمُلَقَّب عند السادة الصوفية وغيرهم بلقب " الشيخ الأكبر" و "سلطان العارفين " و "خاتم الأولياء"، المولود يوم الاثنين السابع عشر من رمضان سنة 560 هـ بمرسية بالأندلس، والمتوفى بدمشق سنة 638 هـ، هو أحد الأئمة الأعلام والورثة المحمديين الذين جمع الله لهم بين سموّ شرف العلم وعلوّ درجة الولاية، وهو من كبار أهل الله تعالى، وكان فقيهًا على مذهب الإمام داود الظاهري، وعقيدته هي عقيدة الأشاعرةِ أهلِ السنة والجماعة، وقد ذكرها في أول " الفتوحات المكية "، وذكر الإمام الصفدي في ترجمة الشيخ محي الدين بن عربي من "الوافي بالوفيات" عن نفسه أنه أفردها في كراسة وكتب عليها:

ليس في هذه العقيدة شيء ... يقتضيه التكذيبُ والبهتانُ لا ولا الذي خالف العقل والنقل الذي قد أتى به القرآنُ وعليها للأشعريِّ مدارٌ ... ولها في مقاله إِمكانُ.

إلا أنه قد وقع في عرضه بعض من ينتسب للعلم، فيحياته وبعد وفاته، فكان يخاطبهم في حياته بقوله"والله الموعد"، ثم قَيَّض الله له بعد وفاته في كل عصر مِنْ أهل العلم مَنْ يُنافح عنه ضِدَّ مَنْ يقع فيه رضي الله عنه؛ مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج 38)، فكان ممن تحركت همتُه لذلك العلامةُ مجد الدين الفيروزابادي صاحب " القاموس المحيط " [ت 817 هـ]؛ فألف كتابًا يرد فيه على ابن الخياط ما اتَّهم به الشيخ ابن العربي في عقيدته وسماه " الاغتباط بمعالجة ابن الخياط "، وانبرى للدفاع عنه أيضًا الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى [ت 911 هـ]؛ فألف رسالته " تنبيه الغبي، في تبرئة ابن عربي "، وذكر فيها نصوص العلماء في الثناء على الإمام محيي الدين ابن العربي، ومما ذكره في ذلك قول شيخ الإسلام شرف الدين المناوي [ت 871 هـ]: " والمتصدِّي لتكفير ابن عربي لم يخف من سوء الحساب وأن يُقال له: هل ثبت عندك أنه كافر؟!

فإن قال: كتبه تدل على كفره، أفَأَمِنَ أن يُقال له: هل ثبت عندك بالطريق المقبول في نقل الأخبار أنه قال هذه الكلمة بعينها، وأنه قصد بها معناها المتعارَف؟! والأول: لا سبيل إليه؛ لعدم سند يُعْتَمَدُ عليه في مثل ذلك، ولا عبرة بالاستفاضة؛ لأنه على تقدير ثبوت أصل الكتاب عنه فلا بد من ثبوت كل كلمة كلمة؛ لاحتمال أن يُدَسَّ في الكتاب ما ليس من كلامه من عدو أو ملحد " ا هـ.

وكذلك فعل الشيخ عبد الوهاب الشعراني؛ حيث أفرد في كتابه " اليواقيت والجواهر " مبحثًا خاصًّا ينفي فيه عن الإمام ابن العربي ما ألصقه به خصومه من دعوى الحلول والاتحاد؛ مستشهِدًا على براءته بكلامه هو في " الفتوحات " وغيرها.

كما نافح عنه كثير ممن ترجم له؛ كالعلامة الشيخ محمد عبد الرؤوف المناوي [ت 1031 هـ] الذي يقول فيه: " والذي أعتقده ولا يصح غيره: أن الإمام ابن عربي وليٌّ صالح، وعالم ناصح، وإنما فوَّق إليه سهام الملامة، من لم يفهم كلامه، على أنه دُسَّتْ في كتبه مقالاتٌ قدرُه يجل عنها " اهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير