ـ[أبو محمد عبد الله الحسن]ــــــــ[12 - 04 - 09, 07:48 م]ـ
الحساب ودواوينه:
وننتقل مختصرين إلى حالة أخرى من أحوال وأهوال يوم القيامة، ألا وهي الحساب ودواوين الحساب: تصور نفسك واقفاً للحساب وللجزاء، تلاقي ربك ليس بينك وبينه ترجمان، ويكلمك ربك بأعمالك، ويُنشَر كتاب بسطت فيه أعمالك لا يترك الكتاب منها شيئاً، كما قال تعالى عن المجرمين: مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، ويبدأ الحساب والمحاضرة الربانية، فماذا عملت في دنياك؟ يحاسب الله العباد في ساعة واحدة، كما يبعثهم في ساعة واحدة، إنه الله الذي لا إله إلا هو وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].
وفي الحساب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدواوين ثلاثة ..
ديوان لا يقبل الله معه صرفاً ولا عدلاً: إنه ديوان الشرك والكفر إذا مات العبد عليه، فلا يكتب له حسنات ولا عمل صالح، ومهما عمل الصالحات في دنياه فإنها تكون هباء منثوراً، قال تعالى:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، فهل تصورنا فظاعة الموت على الشرك بالله؟ هل تصورنا فظاعة الموت على الكفر بالله سبحانه وتعالى؟ إنه الوقوف العظيم بين يدي الله تبارك وتعالى حيث لا يقبل الله مع الكفر صرفاً ولا عدلاً، هذا الديوان الأول.
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فعلى كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها أن يتقي الله ولا يتعلق بغير الله من ولي أو صاحب قبر أو طاغوت، وليخلص التوحيد لربه؛ فإن الأمن يوم القيامة لا يكون إلا للمؤمنين الموحدين.
الديوان الثاني: ديوان لا يترك الله منه شيئاً، فلا بد من تدقيق الحساب فيه، وهو حقوق العباد بعضهم على بعض، فيوم القيامة يبنى على المشاحة، لا قريب ولا صديق، ومن ثم فكل إنسان يريد حقه لأنه خائف، ومن ثم فالحقوق بين العباد لا يترك الله منها شيئاً، حق مال، أو حق عرض، أو حق دم، أيما حق عليك لأي أحد من أهل الجنة أو من أهل النار فوالله لتحاسبن عليه في هذا اليوم في ذلك الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، وإنما يقتص العباد بعضهم من بعض. فهل تدبرت تاريخك وحياتك مع عباد الله وتذكرت يوم تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى؟ فيا من تعادي إخوانك المؤمنين وتكيد لهم! ألا تعلم أنهم سيأخذون حقوقهم منك يوم القيامة؟ فتب إلى الله سبحانه وتعالى، فإن هذا ديون عظيم أيها الأخ المسلم.
وأما الديوان الثالث: فهو ديوان بعد ذينك الديوانين، فمن نجح في الديوان الأول وهو التوحيد الخالص لله، ثم صفى الديوان الثاني وهو حقوق العباد، فالديوان الثالث هو ما بين العبد وبين ربه، فمن رحمة الله للعبد المؤمن أن هذا الديوان لا يترك الله منه شيئاً، فيغفره جميعه لعبده المؤمن، فأين نحن من ربنا الغفور الرحيم؟ أين نحن من حسن الظن بربنا سبحانه وتعالى؟ اللهم آمنا في ذلك اليوم واغفر لنا ذنوبنا يا رب العالمين.
يتبع إن شاء الله ...
ـ[أبو محمد عبد الله الحسن]ــــــــ[12 - 04 - 09, 07:49 م]ـ
انحلال العلاقات الدنيوية يوم القيامة
ومن الأهوال هول عجيب، هول إذا عشنا صورة منه في الدنيا تكاد الأفئدة تتقطع، ألا وهو علاقة القرابة والأحبة، تأمل أحوال الناس في هذه الرابطة الدنيوية، كيف أن الأم تموت حسرة وكمداً خوفاً على وليدها، والأب كذلك، والزوج والزوجة والأخ والأخت.
الإنسان -في هذه الدنيا- يقدم لمن يعز عليه نفسه فداءً، وهذا موجود والحمد لله.
فالأم دائماً دعاؤها أن لا تذوق يوم وفاة ولدها، أن تموت هي قبله فتفديه بنفسها، والأب والزوج والزوجة، لكن إذا جاء يوم القيامة فالهول فظيع، فالأنساب تتقطع فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، بل والله إن هول ذلك اليوم لأشد من ذلك، ليته اقتصر على تقطع الأنساب في ذلك اليوم، إنه أعظم هولاً وأفظع، إن من صور هول ذلك اليوم أن المجرم يود لو يفتدي من عذاب جهنم بأحبته، فهل تصورنا ذلك اليوم الذي يتمنى أن ينجو فيه وأن يقذف بأمه وأبيه وصاحبته في نار جهنم! قال الله تبارك وتعالى: (يُبَصَّرُونَهُمْ) يعني أنهم في ذلك اليوم يرون الحقائق (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [المعارج:11 - 16]، ولا يمكن أن يُفتدى.
ويجوز أن يفتدي الإنسان نفسه بملء الأرض ذهباً، لكن أن يفدي المجرم نفسه بأحبته فهذا والله هول شديد، يقول الله تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ [يونس:54]، إذاً لماذا تظلم اليوم من أجل الأرض والمال ومتاع الدنيا الزائل، ألا نتذكر أننا في يوم القيامة لا تتمنى قليلاً من المال لتفتدي به، وإنما تتمنى ما في الأرض جميعاً، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ [الرعد:18] فالظالمون والكافرون يتمنى أحدهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدي به، لكن أنى له ذلك؟ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ [الرعد:18].
أما الكافر فإن الله يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:91]، ثم إن بعض الناس يبيع دينه لأجل عرض من الدنيا! روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال: (يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقال: كنت سألتك ما هو أيسر من ذلك، سألتك أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا الشرك).
يتبع إن شاء الله ...
¥