تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[التنبيه إلى خطأ وقع فيه الدكتور الجيزاني في عرضه مذهب أهل السنة في التحسين والتقبيح]

ـ[محمد براء]ــــــــ[10 - 04 - 09, 03:14 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وبعد.

فإن كتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للدكتور محمد حسين الجيزاني من الكتب التي حاول مؤلفها تخليص أصول الفقه من بدع المتكلمين من الأشعرية والمعتزلة الذي عكفوا على هذا العلم تأليفا وشرحاً وتأصيلاً وتفريعاً على مدى قرون متطاولة، فكان جهده جهداً مشكوراً والله يجزيه خير الجزاء.

وقد اعتمدت عليه في معرفة مذهب أهل السنة في المسائل الخلافية، ومن أشهر هذه المسائل واهمها مسألة التحسين والتقبيح العقليين.

نظرت في كلام الشيخ مراراً، وأعجبني عرضه للمسألة، إذ ذكر تحرير محل النزاع كما يذكره الأشعرية، ثم الأقوال، ثم أصول أهل السنة -وهو أحسن ما ذكره -ثم ذكر تفضيل مذهب أهل السنة، ثم المحاذير التي وقع فيها كل من طرفي النزاع في المسألة.

ورغم أنه تميز لدي بعض الفروق بين مذهب أهل السنة - كما حرره الشيخ - ومذهب الأشاعرة، إلا أن قول الشيخ ص332 من الطبعة السابعة: " إذ الكل متفق على إثبات أن الشرع يحسن ويقبح، ويوجب ويحرم، وأن الثواب والعقاب والمدح والذم لا يعرف بالعقل، وإنما يعرف ذلك بالشرع وحده "، أورث لدي إشكالاً عظيماً، إذ ما دام هذا موضع اتفاق فأين الخلاف؟!

بيان هذا:

أن الشيخ نقل تحرير النزاع كما يذكره الأشعرية في كتبهم، فقال ص326: " يطلق الحسن والقبح بثلاثة اعتبارات (1):

الاعتبار الأول: بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته، فما لاءم الطبع فهو حسن؛ كإنقاذ الغريق، وما نافر الطبع فهو قبيح؛ كاتهام البريء.

الاعتبار الثاني: بمعنى الكمال والنقص، فالحسن: ما أشعر بالكمال؛ كصفة العلم، والقبيح: ما أشعر بالنقص؛ كصفة الجهل.

والحسن والقبح بهذين الاعتبارين: لا خلاف أنهما عقليان، بمعنى أن العقل يستقل بإدراكهما من غير توقف على الشرع.

والاعتبار الثالث: بمعنى المدح والثواب، والذم والعقاب.

والحسن والقبح بهذا الاعتبار: محل نزاع بين الطوائف ".

وما دمنا متفقين مع الأشعرية في محل النزاع فماذا بقي من خلاف؟

هذا الإشكال طرحته سابقاً هنا ولم أجد جواباً شافياً: ما هو محل غلط الأشاعرة في التحسين والتقبيح؟ ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=985743)

والآن، وبعد أن من الله بفهم المسألة وأصولها وما ينبني عليها، أنبه إلى هذا الخطأ الذي وقع فيه الشيخ واغتررتُ به، حتى لا يغتر به غيري وتفهم المسألة على وجهها.

فأقول: قول الشيخ في النقطة (د) في تفصيل مذهب أهل السنة ص330: " أن ما عُرف حسنُه وقبحُه بطريق العقل والفطرة لا يترتب عليه مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب ما لم تأتِ به الرسل؛ لأن الدليل الشرعي إنما أثبت المدح والذم والثواب والعقاب على من قامت عليهم الحجة بالرسل والكتب، فالمدح والذم والثواب والعقاب إنما يترتب على ما عُرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقط ".

ونظمه الشيخ محمد علي آدم في التحفة المرضية ص139 بقوله:

وأن ما عرف حسنه كذا = قبحه بالقعل ما له احتذى

مدح ولا ذم ولا ثواب = إلا إذا جاء به الخطاب

أقول: وقع الشيخ في هذا الموضع في خطأ عظيم، وخلل جسيم، وهو أنه جعل المدح والذم ملازمينَ للثواب والعقاب وأن كلاهما منفي قبل ورود الشرع.

والحق هو التفريق بين المدح والذم والثواب والعقاب فنثبت الأولين بالعقل وننفي الآخرين.

بيان هذا: أن الفعل له صفة نشأت عن ذاته اقتضت المدح والذم، وهذا المدح والذم يدرك بالعقل، ولا معنى للحسن والقبح العقليين إلا هذا، فمن لم يقل بهذا وافق الأشعرية في المسألة وإن ادعى مخالفتهم.

والدليل على هذا قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إفْكًا}. فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ إفْكًا قَبْلَ النَّهْيِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْخَلِيلِ لِقَوْمِهِ أَيْضًا: {مَاذَا تَعْبُدُونَ} {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} - إلَى قَوْلِهِ - {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} {

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير