أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3

اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: من الأية6] وقال سبحانه عقب ذكر بعض أحكام الأضحية {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: من الأية 36] وهكذا، وقد جعل الله تعالى الشكر في مقابل الكفر في كثير من الأيات بل رضي الله عز وجل بالشكر ولم يرض بالكفر مما يزيدك يقيناً بأن شكره تبارك وتعالى هو الغاية من خلق العباد فقال الحق جل وعلا {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: من الأية 7] وقال سبحانه حكاية عن نبيه سليمان – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: من الأية 40] وقال تعالى في بيان حكمة لقمان {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:12] لذلك فإن له سبحانه الحمد في الأولى والأخرة، وله الحمد في السراء والضراء، حمد نفسه بنفسه، من حمده على نعمة زاده، ومن حمده على مضرة بنى له بيتاً في الجنة وسماه بيت الحمد، خلق خلقه ولم يتركهم هملاً، وأسبغ عليهم من نعمه ما لا يستطيعون الوفاء بحقه، فإذا وقف العبد في صلاته فقال "الحمد لله" حق له ذلك أن الله تعالى لم يقطع صلته به ولا رفده عنه برغم معاصي العبد فقد سمح الله تعالى له بهذه الصلة التي لا تنقطع أبداً ولا تسقط عن المسلم بحال، كما أنه سبحانه لا يعاجل بالعقوبة من عصاه، ولا يمنع النعمة عمن غفل عن شكرها، بل يمهل العاصي ويتوب عليهن ويذكر الغافل ويزيد الشاكر، وذلك أنه تبارك وتعالى:

الحكم الثاني: رب العالمين، أي مربيهم بأنواع النعم التي لا يقدرون على شكرها، فهو جل وعلا يرزق الصالح والطالح، ومن أجل نعمه سبحانه على عباده إرسال الرسل وتأييدهم بالمعجزات وإنزال الكتب عليهم، والإسباغ من النعم ما أن الواحدة منها لا تحصى، وقبول الحسنات وهو الغني عنها والإثابة عليها بأضعافها، ومغفرة الزلات التي تضره ومحوها، وبسطه يده لمسئ الليل قبل مسئ النهار وهو الغني عن جميع خلقه لم يستكثر بهم من قلة، ولم يستأنس بهم من وحشة وإنما خلقهم لغاية عظيمة هي شكره سبحانه كما سبق ذكره، وبرغم ذلك فلو عجل لهم ما يدعون به، أو آخذهم ببعض ذنوبهم ما ترك على ظهرها من دآبة وذلك أنه:

الحكم الثالث: الرحمن الرحيم، رحمن وسعت رحمته كل شئ، وعمت كل حي، وأصابت كل مخلوق، فلا يمنع الرزق من جاحد ربوبيته، ولا من عاص رغم إنذاره وتحذيره، ويصبر على الأذى وذلك من رحمته فلا أحد أصبر على الأذى منه جل وعلا وإنهم ليدعون له الصاحبة والولد وهو يرزقهم ويعافيهم مع أن بعض مخلوقاته لا تصبر على بعض أذاه سبحانه {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً {88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً {89} تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً {90} أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً {91}} [مريم: 88 - 91] ولذلك كان إمساك السماوات والأرض برحمته وهو جل وعلا برغم ذلك يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، وينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، فكل ما ترى عينيك من نعمة أثر من آثار رحمته جل وعلا، ومن رحمته أرسل إليك رسولاً، فلولا فضل الله عليك ورحمته لكنت من أتباع الشيطان في أي عبادة كانت، فلا تعجب بعقلك فليس ذلك من مدخور جهدك وإنما بعضاً من رحمة ربك، وإذا رأيت إنسان فأعجبك عقله وسمته ثم هو بعد يعبد البقر أو الحجر أو الشجر أو يقول في الدين بغير ما أُمر فأعلم أنما لم تصبه رحمة الله الخاصة - وإن كان قد أصابه من الرحمة العامة ما أصابه - وذلك أن الله يختص برحمته من يشاء ويصيب بها من يشاء من عباده وليس هذا من قبيل الظلم فإن هذا العبد في الأصل إنما يئس من رحمة الله فلم يصبه الله تعالى بشئ منها والجزاء من جنس العمل وسيبين لك كل ذلك في يوم الدين وذلك أن الله تعالى هو:

الحكم الرابع: مالك يوم الدين، وذلك من أسباب حمده أيضاً مع ما سبق من كونه تبارك وتعالى رب العالمين وأنه جل وعلا الرحمن الرحيم، وذلك أنه في هذا اليوم يدين الناس بأعمالهم ويوفيهم إياها بميزان الفضل والعدل ولا يظلم ربك أحداً، يضاعف الحسنات ويربيها، ويغفر السيئات ويمحوها أو يعاقب عليها بمثلها، ويأ ذن للشفعاء ويقبل منهم، ويري المرء كتابه ويطلعه عليه ويستر من شاء كيف شاء، ويدنيه في كنفه، ويقيم لمن اعترض شاهداً من نفسه، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.

¥