ـ[أبو بسمله]ــــــــ[01 - 05 - 08, 09:20 م]ـ
جزاك الله خير وبارك فيك
ـ[محمد عبدالكريم محمد]ــــــــ[02 - 05 - 08, 12:31 ص]ـ
جزاكم الله خيراً وبارك فيك ورحم الله علماءنا
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[03 - 05 - 08, 12:56 م]ـ
جزاكم الله خيراً وبارك فيكم.
=============================
(23)
حكمة القرآن في اختيار مواضع البيان ومواضع الإجمال
وتدبر عجيب لبعض كلمات القرآن
لا بد للكلام البليغ من أن يكون فيه قدر من الحكمة في اختيار وتوزيع مواطن الإجمال والبيان، وإلا خرج عن حد البلاغة ولو حسنت ألفاظه وجُوّدتْ تراكيبه؛ وفيما يلي نقل بيان لهذه المسألة ولمسائل أخرى كثيرة من أوجه الإعجاز القرآني مما دبجه قلم العلامة محمد عبد الله دراز رحمه الله، وإني ملتمس منك أيها القارئ أن لا تبادر إلى إنكار نقلها على طولها؛ ولئن تسرعت فأنكرت عليّ طول هذه القطعة من كلام هذا المحقق الكبير الغريب بين أهل عصره فأنا على ثقة من تراجعك عن هذا الإنكار بعد الوقوف عليها، وعلى ثقة من استحسان ما صنعتُه من نقلها بطولها، والله الموفق.
قال رحمه الله في (النبأ العظيم) (ص117 - 127) تحت عنوان (البيان والإجمال):
(وهذه عجيبة أخرى تجدها في القرآن ولا تجدها فيما سواه، ذلك أن الناس إذا عمدوا إلى تحديد أغراضهم لم تتسع لتأويل؛ وإذا أجملوها ذهبوا إلى الإبهام أو الإلباس، أو إلى اللغو الذي لا يفيد؛ ولا يكاد يجتمع لهم هذان الطرفان في كلام واحد.
وتقرأ القطعة من القرآن فتجد في ألفاظها من الشفوف، والملاسة، والإحكام، والخلو من كل غريب عن الغرض، ما يتسابق به مغزاها إلى نفسك دون كد خاطر ولا استعادة حديث، كأنك لا تسمع كلاماً ولغات بل ترى صوراً وحقائق ماثلة؛ وهكذا يخيل إليك أنك قد أحطت به خُبْراً ووقفت على معناه محدوداً؛ هذا ولو رجعت إليه كرة أخرى لرأيتك منه بإزاء معنى جديد، غير الذي سبق إلى فهمك أول مرة، وكذلك .. حتى ترى للجملة الواحدة أو الكلمة الواحدة وجوهاً عدة كلها صحيح أو محتمل للصحة (1)، كأنما هي فص من الماس يعطيك كل ضلع منه شعاعاً فإذا نظرت إلى أضلاعه جملة بهرتْك بألوان الطيف كلها فلا تدرى ماذا تأخذ عينك وماذا تدع؛ ولعلك لو وكلت النظر فيها إلى غيرك رأى منها أكثر مما رأيت؛ وهكذا تجد كتاباً مفتوحاً مع الزمان يأخذ كل منه ما يُسِّر له، بل ترى محيطاً مترامي الأطراف لا تحده عقول الأفراد ولا الأجيال.
ألم تر كيف وسِع الفرق الإسلامية على اختلاف منازعها في الأصول والفروع؟ وكيف وسع الآراء العلمية على اختلاف وسائلها في القديم والحديث؟ وهو، على لينه للعقول والأفهام، صُلْب متين، لا يتناقص ولا يتبدل، يحتج به كل فريق لرأيه، ويدعيه لنفسه وهو في سموه فوق الجميع، يطل على معاركهم حوله، وكأن لسان حاله يقول لهؤلاء وهؤلاء: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً {84}) (2).
* * *
ها نحن أولاء قد عرضنا لك جانباً من تلك العجائب البيانية التي لا تنال مثلها أيدي الناس؛ وها قد أعطيناك في حاشية كل منها نموذجاً صغيراً يفتح لك الباب إلى احتذائه في سائر القرآن؛ فهل ترى في هذا وفاء بما وعدناك، وبما عودناك، من التقفية على آثار التفصيل بشيء من التطبيق والتمثيل؟ أم لا تزال بحاجة إلى المزيد من هذه الأمثلة؟ سنزيدك؛ وسنوجه نظرك بنوع خاص إلى دقة التعبير القرآني ومتانة نظمه وعجيب تصرفه، حتى يؤدي لك المعنى الوافر الثري، في اللفظ القاصد النقي؛ إذ كانت هذه الخاصة الأولى - من الخواص التي ذكرناها - أحوج إلى التوقيف والإرشاد.
ولا تحسبنْ أننا سنضرب لك الأمثال بتلك الآيات الكريمة التي وقع اختيار الناس عليها وتواصفوا الإعجاب بها، كقوله تعالى (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ - الآية) (3) وقوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) (4) وأشباههما؛ بل نريد أن نجيئك بمثال من عُرض القرآن في معنى لا يأبه له الناس ولا يقع اختيارهم على مثله عادة، ليكون دليلاً على ما وراءه:
¥