بشيء لأنَّ الجواب بعده وثم ظرف لا يتصرف فلا يقع فاعلاً ولا مفعولاً وغلط من أعربه مفعولاً لرأيت أو جعل الجواب محذوفاً والتقدير إذا رأيت الجنة رأيت فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ونحو: كلا لو تعلمون ثم يبتدئ علم اليقين بنصب علم على إسقاط حرف القسم وبقاء عمله وهو ضعيف وذلك من خصائص الجلالة فلا يشركها فيه غيرها عند البصريين وجواب القسم لترون الجحيم أي والله لترون الجحيم، كقول امريء القيس:
فقالت يمين الله مالك حيلة وما أن أرى عنك الغواية تنجلي
فهذا كله تعنت وتعسف لا فائدة فيه فينبغي تجنبه وتحريه لأنه محض تقليد وعلم العقل لا يعمل به إلاَّ إذا وافقه نقل وسقتُ هذا هنا ليُجتنبَ فإني رأيت من يدّعي هذا الفن يقف على تلك الوقوف فيلقى في أسماع الناس شيئاً لا أصل له وأنا محذر من تقليده واتباعه، وكذا مثله ممن يتشبه بأهل العلم وهم عنهم بمعزل، اللهم أرنا الحق حقاً فنتبعه والباطل باطلاً فنجتنبه.
(التنبيه السادس) ينبغي للقارئ أن يراعي في الوقف الازدواج والمعادل والقرائن والنظائر قال ابن نصير النحوي فلا يوقف على الأول حتى يأتي بالمعادل الثاني لأن به يوجد التمام وينقطع تعلقه بما بعده لفظاً نحو: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها، والأولى الفصل والقطع بين الفريقين ولا يخلط أحدهما مع الآخر بل يقف على الأول ثم يبتدئ بالثاني.
(التنبيه السابع) كل ما في القرآن من ذكر الذين والذي يجوز فيه الوصل بما قبله نعتاً والقطع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ حذف خبره إلاَّ في سبعة مواضع فإنه يتعين الابتداء بها: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه في البقرة وفيها أيضاً: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه وفيها أيضاً: الذين يأكلون الربا وفي التوبة الذين آمنوا وهاجروا وفي الفرقان: الذين يحشرون على وجوههم وفي غافر: الذين يحملون العرش، لا يجوز وصلها بما قبلها لأنه يوقع في محظور كما بين تقدم وفي سورة الناس الذي يوسوس على أنه مقطوع عما قبله وفصل الرماني إن كانت الصفة للاختصاص امتنع الوقف على موصوفها لأنها لتعريفه فيلزم أن تتبعه في إعرابه ولا تقطع وإن كانت للمدح لا لتعريفه جاز القطع والاتباع والقطع أبلغ من إجرائها لأن عاملها في المدح غير عامل الموصوف.
(التنبيه الثامن) أصل بلى عند الكوفيين بل التي للإضراب زيدت الياء في آخرها علامة لتأنيث الأداة ليحسن الوقف عليها يعنون بالياء الألف وإنما سموها ياءً لأنها تمال وتكتب بالياء لأنها للتأنيث كألف حبلى وقال البصريون بلى حرف بسيط وتحقيق المذهبين في غير هذا وهي للنفي المتقدم في اثنين وعشرين موضعاً في ست عشرة سورة يمتنع الوقف على سبعة وخمسة فيها خلاف وعشرة يوقف عليها أشار إلى ذلك العلامة السيوطي نظماً فقال:
حكم بلى في سائر القرآن ثلاثة عن عابد الرحمن
أعني السيوطي جامع الإتقان عن عصبة التفسير والبرهان
فالوقف في سبع عليها قد منع لما لها تعلق بما جمع
قالوا بل في سورة الأنعام والنخل وعداً عن ذوي الإفهام
وقل بلى في سبأ قد استقر كذا بلى قد فاتلونها في الزمر
قالوا بلى في آخر الأحقاف وفي التغابن للذكي الوافي
وقل بلى في سورة القيامة فاحذر من التفريط والملامة
وخمسة فيها خلاف زبراً بالمنع والجواز حيث حررا
بلى ولكن قد أتى في البقره وفي الزمر بلى ولكن حرره
بلى ورسلنا أتى في الزخرف وفي الحديد مثلها عنهم قفي
قالوا بلى في الملك ثم جوزوا في ثالث الأقسام وقفاً أبرزوا
وعدها عشر سوى ما قد ذكر لم تخف عن فهم الذكي المستقر
قوله وعدها أي ما الاختيار جواز الوقف عليه وهو العشرة الباقية.
(التنبيه التاسع) اعلم أنّ كلاَّ حرف لاحظ له في الإعراب وكذا جميع الحروف لا يوقف عليها إلاَّ بلى ونعم وكل،ا وحاصل الكلام عليها أن فيها أربعة أقوال يوقف عليها في جميع القرآن لا يوقف عليها في جميعه لا يوقف عليها إذا كان قبلها رأس آية الرابع التفصيل إن كانت للردع والزجر وقف عليها وإلاَّ فلا قاله الخليل وسيبويه وهي في ثلاثة وثلاثين موضعاً في خمس عشرة سورة في النصف الثاني، وسئل جعفر بن محمد عن كلاَّ لم لم تقع في النصف الأول منه؟ فقال لأنَّ معناها الوعيد فلم تنزل إلاَّ بمكة إيعاد للكفار.
(التنبيه العاشر) اعلم أن ترتيب السورة وتسميتها وترتيب آيها وعدد السور مسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومأخوذ عنه وهو عن جبريل فكان جبريل يعلمه عند نزول كل آية أن هذه تكتب عقب آية كذا في سورة كذا وجمعه الصحابة من غير زيادة ولا نقصان وترتيب نزوله في التلاوة والمصحف وترتيبه في اللوح المحفوظ كما هو في مصاحفنا كل حرف كجبل قاف ولم يزل يتلقى القرآن العدول عن مثلهم إلى أن وصل إلينا وأدوه أداءً شافياً ونقله عنهم أهل الأمصار وأدوه إلى الأئمة الأخيار وسلكوا في نقله وأدائه الطريق التي سلكوها في نقل الحروف وأدائها من التمسك بالتعليم والسماع دون الاستنباط والاختراع ولذلك صار مضافاً إليهم وموقوفاً عليهم إضافة تمسك ولزوم واتباع لا إضافة استنباط ورأي واختراع بل كان بإعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فعنه أخذوا رؤوس الآي آية آية وقد أفصح الصحابة بالتوقيف بقولهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا العشر فلا نتجاوزها إلى عشر أُخر حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل وتقدم أن عبد الله بن عمر قام على حفظ سورة البقرة ثمان سنين أخرجه مالك في موطئه وما نقل عن الصحابة فالنفس إليه أميل مما نقل عن التابعين لأن قول الصحابي كذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس حيث قال له: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) قال ابن عباس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأيت جبريل لم يره خلق الأعمى إلاَّ أن يكون نبياً ولكن يكون ذلك في آخر عمرك.
تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث بإذن الله تعالى
¥