تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجزولي الذي أدركه، ولعلم العربية والنحو في تلك الجهة وكفى بها شهادة ().

ثُمَّ لَم يزل ملوك الدولة العلوية، يقدمون في سوس دائما علماءها قبل رؤسائها منذ هذا العهد، وعلماء سوس لا ينالون ذلك إلا عن جدارة؛ لأنَّهم يصبحون أحيانا حراس الوحدة المغربية في هذا الجانب، وسياجا متينا دون الثوار الذين يثبون في كل فرصة وجدوها، ألَمْ يأتك حديث الثائر (بوحلاس) فإنه لولا علماء جزولة؛ لأوشك أن يفوز بِمرامه، ولكن العالِمَين الأستاذ علي بن إبراهيم الأدوزي، والأستاذ مُحمد بن احمد التاساكاتي، قاوماه مقاومة عنيفة بكل ما أوتيا من جاه وصولة علمية، ومركز أدبي، فاستفزا مشاعر الناس حتى جندلاه ().

ويذكر أن المولى سليمان الذي وقع هذا الحادث في مُفتتح إمارته، كان اتصل بالتاساكاتي حتى جازاه خيرا عن ذبه عن أمته، وكذلك قرأنا رسالة من المولى سليمان إلى العلامة عبد الله بن عمر التناني يأمره أن يقف بِجاهه عند القبائل حتى لا تتعدى على (تارودانت)، ثم لَمَّا جاش المغرب سنة: (1276) بالقضية التطوانية، قام علماء جزولة الأساتذة الْحَسن بن أحمد التِّيمكدشْتِى، والْحَاج أحْمَد الجشتيمي، وأحْمَد بن إبراهيم السملالي، والْحسين الأزاريفي، والعربي الأدوزي، ومُحمد بن علي اليعقوبي، ومُحمد بن صالِح التادرارتي البعمراني وأمثالهم، ينادون في الناس ليلبوا دعوة السلطان، لينفروا خفافا وثقالا للذود عن الكيان، وقد أطلعنا على الرسائل التي وجهها المولى مُحمد بن عبد الرحمن إلى هؤلاء العلماء يسميهم بأسمائِهم، وفي مثل ذلك ما فيه من الْجَانبين؛ من جانب العلماء الذين يقومون بالواجب، ويصدقون الناس نصيحة للأمير وللأمة جَمعاء، ومن جانب العرش الذي يقدرهم قدرهم، ويعرف لَهم المكانة التي يشغلونها عن جدارة، وكيف لا يَخلص العلماء للعرش العلوي، مع أنهم لَم يروا منه قط إلا الإحسان بالجميل، والاعتراف بالجميل من شيم الأبرار وهذا المولى عبد الرحمن لَم يكد أبو العباس التيمكدشتي يمثل بين يديه مسوقا في صفة الاعتقال، بيد القائد بومهدي، حتى تلقاه متبركا به، مستمطرا لدعواته، ثُمَّ [24] رده موفور الكرامة، مقضي كل الحاج، وأمثال هذه المعاملات لا تترك إلا القلوب الصافية، والسرائر الطاهرة، وهل يملك الإنسان إلا بعواطف الإحسان؟

ثم لَمَّا رَحل المولى الحسن إلى سوس رحلتيه سنة (1299هـ) وسنة (1303هـ) لاقى كل العلماء بتجلة ما مثلها تجلة، فأجاز وكتب الظهائر للقضاة، وقدَّم أرباب العلم على أرباب الرياسة، فتأتى له بذلك أن تفتحت له كل الأبواب، وغمرت مَحبته كل جوانح الأهالي، ولا ريب أنه أدرك أن بالمحاسنة لأمثالِهم قضاء أغراض شتى، أهمها إذ ذاك عنده الهدوء والانقياد ولو ظاهرا، حتى قال لنا من حضر إذ ذاك إنه لا يولي قائدا حتى يسأل عنه علماء سوسيين، يَحضرون دائما معه في ركابه هناك، في مقدمتهم سيدي أحمد بن إبراهيم السملالي ونظراؤه، ومثل هذا يسترق الإنسان، لا إنه يكسوه حلة الإخلاص فقط.

كان المولى الْحَسن حين انتصب خليفة لوالده على الجنوب رَحل إلى سوس نَحو (1280هـ) فوجد أمامه الحسين بن الْهَاشم التازاروالتي مستأسدا، يَهم بأمور كما زعموا، فأبى أن ينقاد، بل هم -كما يقال- بِمناوأته، فأمر كاتبه الفقيه الأستاذ مُحمد بن عبد الله الأساكي الإفراني أن يكتب جوابا عن رسالة وردت من المولى الحسن، وأن يغلظ فيه القول، فقال له الأستاذ: لا والله ما أنا بفاعل، أتريد أن أهد ديني بيدي، فأي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن أسأت إلى ابن أميري وابن أمير المسلمين، فراجعه الحسين متشددا، فقال له: كف عني، فوالله لو خيرت بين قطع يدي وبين ارتكاب هذا؛ لاخترت قطع يدي، وهذه تبين لنا من هو العالِم الجزولي، ومن هو الرئيس الجزولي في الانقياد للعرش.

ومن هنا نَجد السبب في الاتكال الكثير الذي يكون للعرش على أمثال هؤلاء العلماء، ثم لا يكون منه مثله للرؤساء، وهذه حقائق لا مرية فيها، وهناك مَجموعة () قصائد سوسية، قيلت في مولاي الحسن ولي العهد إذ ذاك، وهو في سوس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير