تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مُحمد بن عبد الله مَمدوحه من قواف تَختلف قيمها، وتتفاوت ألوانَها، على المعهود من الأدب التامكروتي غالبا، مما يدل على ضعف كثير من قائله لتأثر من إلى تامكروت بالتصوف؛ ولذلك نرى في هذه الآثار نفسها ما يدل على ما قضينا به على شعر أبناء تلك الزاوية، فإن في كلام بعضهم ما يدل على أن اعتبار هذا الفن والميل إليه، واعتباره كعلم شريف، وفن له روعته قد انقطعَ إذ ذاك، يوجد هذا في مفتتح شرح العبدونية () للوديمي، كما يوجد في رسالة من أحمد بن عبد الله الماسجيني إلى الأمير المولى سيدي مُحمد بن عبد الله، وقد رفع إليه القصيدة الدالية ()، كما ينادي بلسان الحال غالب هذه الآثار وروحها بأن غالبها -لا كلها- منسوج عن تكلف كثيف، فقلما يقع فيها الناظر على انسجام بيان تقبله الأذواق، ويستسيغه الأديب قار العين، مثلوج الفؤاد، ولا ريب أن ذلك إنَّما يقع من عدم المحاككة التي لا تكون إلا في المحافل الأدبية، لا في مَجالس الزوايا ولا في حلقات الفقهاء الأقحاح، على أن مَحافل الآداب مقفلة في هذا العهد بسوس، وربّما في المغرب كله، إلا عند أفراد قليلين جدّا، ثُم إن لِهذه الآثار اختلافا بيِّنا في المنازع، كما كان أصحابُها كذلك، فقد يتراءى من بعضهم أن له في الأدب يدا طولى في الوقت الذي تكون فيه بنات فكره من جهة أخرى تفضحه، فهذا أحمد الجرسيفي في رسالته () التي أجاب بِها الفاسي، قد تَمطى فيها تَمطيا حتى ليظن منه أنه ذو قريحة سيالة في القوافي، وأنَها تطاوعه كما طاوعه يراعه في ذلك الجواب المنثور إلى حد له غاية مغبوطة، مع أنه ذو نظم اطلعنا على بعضه () فوجدناه نظم فقيه مزجى البضاعة حتى [83] لنشك في تلك الرسالة أن تكون له، لو لَم ينسبها له مطلع، فإنها تدل على أن صاحبها مطلع في الجملة على الأساليب العليا في البيان، ثُم جاء ذلك النظم بِما يدل على أنه وإن كان أديبا متضلعا في الفن لَم يعط ذلاقة اللسان إن مال إلى العروض، ومثل هذا رأيناه أيضا لأحمد بن إبراهيم الركني، وإبراهيم الظريفي، وابنه مُحمد، ثم هناك أيضا موسى الودريمي الذي تَخرج بالأستاذ الإفراني صاحب (الصفوة) في الجامع اليوسفي، وذكر أنه أخذ عنه كثيرا حتى تضلع في الأدب واستحضار ما يَحتاجه الأديب لحفظه كثيرا من المختارات نظما ونثرا، ويستحضر كل ما في (المسلك السهل) لشيخه، حتى يخال بأنه في الذروة العليا إن كان دخل في حلبة الصائغين، غير أن نثره في تلك الخطبة العبدونية () نفسها من البضاعة المزجاة بِحسب ما يقتضيه ما تلقاه، وإن كان ربّما لا يوجد في المغرب إذ ذاك أعلى من ذلك النفس، وفيها أيضا قواف له لَم تكن لَها روعة القائل المتمكن، وهناك أيضا لعبد الله الأزاريفي تلك المقامة () التي رفعها إلى أحد الأمراء، إن دلت على شيء فإنَّها تدل على أن صاحبها متضلع في اللغة، متمكن في معرفة أساليبها، وقد خدمه السعد في تلك المقامة إلى حد بعيد، وتتضمن قوافي يظهر منها أنه وسط في النزع بالقريض، ولو اطلعنا له على غير ذلك لربّما حكمنا له بأنه فذ ذلك العصر، نعم إن هناك شاعرا أعجبنا به إعجابا ما، وهو أحمد الماسجِّيني خريج فاس، فإن قصيدته تدل على تَمكن، وسنعرضها على القارئ، ولو لَم نعرف من أين تَخرج، ولو لَم يصرح هو بنفسه أنه لَم يَجد في سوس نَفاقا لسلعته بعد رجوعه، لربّما تغير حكمنا على هذا الطور متأثرين به، ولكن بعد أن علمنا أنه إنَّما استقى من (وادي الجواهر) وأنه لَم يقتبس من سوس إلا قليلا، وأنه من المفاخر أدركنا أنه لا تَختص بفخره سوس إلا بكونِها أول أرض مس جلده ترابَها، ثم إنها آوته بعد أن رجع إليها أبجر الحقائب، مَمخوض الوطاب، بأدب فاس العالي، وإن كنا نرى أن البذرة الأدبية الأولَى ربّما تلقَّحها من سوس قبل فاس.

وأمَّا عبد الواسع التِّيركتي التملي؛ فإننا ما ذكرناه هنا إلا لأننا وقفنا له على رسالة فيها من الأدب نفحة، وإن لَم يكن طيبها عاليا، وإلا فقد وقفنا له على ما يستحق أن لا يذكر به بين هذه الحلبة، ولكن نريد أن لا يظن أننا عنه غافلون، وأما إبراهيم الأقاوي؛ فإن ما يقوله ربّما عري مما يتذوقه الأدباء من القوافي، ولذوق الأدباء حاسة خاصة، وذلك وراء الوزن والمعنى واللفظ:

[84] وما الخيل إلا كالصديق قليلة

وإن كثرت في عين من لا يَجرب

إذا لَم تشاهد غير حسن شياتِها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير