تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المولى إسْمَاعيل يوم ينتصر عليه، كما رأينا مثل ذلك واقعا حقيقة يوم البطش بالْمَولى مُحمد العالِم، فتؤدي هذه الفتكات إلى انزواء العلماء، ومن بينهم من يتعاطى الأدب، على أن بروز مُحمد العالِم قد مَحا ما عسى أن يتبقى من عواقب ابن مِحرز، فأعلن راية التشجيع للعلم والأدب، فأزال الروعة، وهيبة الإمارة عن أفئدة العلماء والأدباء، ثم لَم نر من أهله من خلفه في هذا التشجيع حتى عبد المالك أخوه الذي كان في تارودانت سنوات (1136هـ) فإننا لَم نقع إلى الآن على ما يدل على أنه أخذ مأخذ صنوه مُحمد العالِم، وإن كان له أيضا في العالَم الأدبي ما له، وربّما يتراءى لَنا أنه رفعت إليه المقامة الأزاريفية ()، ومقصودنا أن نُدرك أن للكوارث التي دارت في سوس بعد انْهِيار إيليغ، وفي أوقات المصادمات بين الأميرين ابن مِحرز ومولاي إسْمَاعيل، تأثيرا في تأخير الأدب، وقد صَرَّح في التاريخ بذلك فقال () من يُحدث عن إيليغ: «إن الأدب قد انطوى بعد انطوائِها ... ».

[81] ويقول إبراهيم السجتاني وثلَّته: «إننا أعرضنا عن الأدب ورفع رايته؛ لإعواز أهله، والملتفتين إليه، وأقبلنا إلى الانْخراط في زُمرة الموثقين والعلماء، أصحاب الأبحاث الفقهية» ().

هذا كله كان ثُم لَم ينفع ما أسداه مُحمد العالِم نفعا متعديا؛ لأن الذين نعرفهم في حضرته من أساطين الأدب السوسي جرفوا كلهم بسيله، أو هلكوا عن قريب ()، ثُم لَم يظهر من عملهم شيء بعد سنة (1118هـ) فبذلك يصح لنا الْحُكم بأن نَهضة الأدب السوسي الأولى كانت قد انْهَار بناؤها حقّا، بِمجرد ما انْهَارت إيليغ، وما كان ما رأيناه في عهد مُحمد العالِم إلا بقية لَم تنمح بعد، فاشتعلت جذوتُها ثانيا لِهذا الداعي الْخَاص، ثُم لَم تنشب أن انطفأت انطفاءها الا بدي، ثُم أسدل الستار دون الأدب السوسي المتموج، فلا نكاد نرى في زهاء ستين سنة بعد ذلك الدور إلا ظلمات بعضها فوق بعض، وقد عانى أُناس أن يبرزوا في الأدب فلم يَجدوا جوّا ملائما؛ لفقدانِهم التشجيع المطلوب ولإعواز أصمخة تصيخ، وما التشجيع للأدب ولا الإصاخة إليه، إلا من مقوماته التي لا يكون إلا بِها، فلا نعجب إذا آنسنا في هذه الفترة التي ليس فيها للسوسيين بلاط يَمتُّون إليه متّا عنصريّا بنسب قريب كالسعدي والإيليغي تقلص هذا الفن في المدرسة السوسية، حتى رأينا من كبار العلماء الجهابذة المدرسين إذ ذاك؛ كالأحمد بن العباسي، والصوابي، ومُحمد الحضيجي، ومسعود المرزكوني، وعبد الله الجشتيمي، وأحمد الظريفي، ومُحمد بن الحسن التُّغزيفتي، ومُحمد التَّاساكَاتي، وعلماء أدوز؛ كإبراهيم بن مُحمد، وابن المرابط، وكثيرين من أمثالِهم، وهم الأساتذة الأكفاء، وأقطاب الدراسة ما لا يسر من آثار لا تمت إلى الأدب بعرق، ولا تعيرها لفتة من بصر، ومتى خلت الدراسة من الاعتناء بالأدب، ثم فقد في منصب الرئاسة من يشجعون الأفراد المترامين إلى النبوغ والتحليق في جو الإجادة، فأنَّى يُمكن أن يكون له وجود بارز، أو يتطلب باحث أن يلقي له من بين الآثار ما يبهج ويقر العين.

ثُم لا يفهمن القارئ من تلك الفذلكة أن اسم الأدب وكل ما يَميل إليه قد انقطع من سوس، في هذه الفترة انقطاعا تامّا، فإن ذلك لا نرمي إليه، ولا نقصده بالعبارة المتقدمة، وإلا فإن الواقع والماثل بين أيدينا يُعلن أننا حُنْف الأرجل في هذا السير، لو كنا نسيره حقّا، وإنّما مقصودنا أن يُدرك القارئ أن تلك العناية التامة بالأدب في المدرسة، وفي المحافل الرياسية، وفي مَجالس الأنس، قد انقطعت موادها، فضؤلت إلى غاية بعيدة، وأما وجود بعض أثارات من الأدب في سوس؛ فإن عندنا ما يدل عليه، فإن بين أيدينا الآن من [82] آثار هذا الطور للفقيه إبراهيم الظريفي الصوابي، وابنه مُحمد بن إبراهيم الولتيتي، ومُحمد بن أحمد بن إبراهيم الهوزيوي المتخرجين من تَمْجرت، وأحْمَد الجرسيفي المفتي، وعبد الواسع التِّركتي التملي، وأحمد بن عبد الله الماسجِّيني المتخرج من فاس، وأحْمَد بن إبراهيم الركني المتخرج من هناك أيضا، وإبراهيم بن عبد الله الأقاوي، وموسى بن أحمد الودريمي المتخرج من الْحَمراء، وعبد الله الأزاريفي () ما يدل على أنه لا يزال هناك بصيص يتراءى هنا وهناك -خصوصا ما قرأناه في ديوان مُحمد الهوزيوي المتقدم مِما قاله في الخليفة عبد السلام ابن سيدي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير