تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تُعيي النباهة أن تزفَّ نديدَها

حتى أتى في اليوم يوم ماجد

يدْني السعادة لي فشمت مَجيدَها

[88] هذا مقام من ينال قيامه

أضى لراحته الزمان مَقودَها

فينال من رتب العلاء شفوفها

ويقود من شيم الكرام شَرودَها

مولاي هذا العبد قال قصيده

أتقول كف أبي الكرام قصيدَها؟

قولي يُجيد جهودَه ولعلها

أيضا بلا أمر تُجيد جهودَها

وقال أحمد بن إبراهيم الركني في ذلك المولى أيضا من قصيدة مطلعها:

قلبي من الصبر الجميل سليب

جلد يعاني الكارثات صليب

ما سيم سلوانا بقولة عاذل

ألا يطير به جوى ووجيب ()

يقول منها بعد أبيات في النسيب:

يا ليت شعري والأماني كلها

تُخطِي مداها مرة وتصيب

هل ترجع الأيام أيضا للذي

منه رداء العيش قبل قشيب؟

بزمان وصل كنت منه في الحمى

في جنة يندى بِها الأسكوب ()

عندي الحبيب معانقي في روضة

لا ينتحيها حاسد ورقيب

والسعد قد شد الإزار يَحوطنا

منه سياج لا يرام مهيب

في كل وقت لذة نرتادها

ومَراد ذياك اللذيذ خصيب

والشمس تشرق فوقنا بشعاعها

وينوب عنها البدر حين تغيب

لَم ندر كيف الداجيات بِجونا

فكأنه عند الدجى مرهوب

فكأننا من تَحت ذيل ابن الذيـ

ـن مُجارهم عند الزمان رهيب

ويقول في مديحها يصف رجال الدولة على اختلاف أسنانِهم:

شرع من الأملاك من هو قارح

مَثَل لدى نار الوغى مضروب ()

وفتى كما عقدت يداه إزاره

فالشبل نَجل الليث حيث يصيب ()

[89] كفانا هذا القدر؛ لئلا نأتي بما ربّما تقذى به عين القراء من شعر مهلهل، ونسيب يغلب عليه التكلف، ولو كنا في مقام دراسة الأدب السوسي؛ لكانت لنا مندوحة في عرض النماذج على اختلاف أنواعها، وأمَّا نَحن في مقام البحث عن وجود هذا الأدب، وعن عدم وجوده؛ فلا نريد أن نأتي إلا بِما يدل على أن هذا الأدب له وجود مُحقق، بل تتراءى وراء وجوده روعة أحيانا وأسلوب.

والخلاصة عن الأدب السوسي في هذا الطور. أنه لو وجد من المشجعات ما وجده الطور الذي كان قبله؛ لَما آنسنا منه هذا الفتور الذي عم كل أرجاء سوس، ثم لا نقع إلا على جهود أفراد لقحهم النبوغ الفاسي أو المراكشي، أو التَّامْجروتي، أو على بعض أناس آخرين، يستفزهم لَمز اللامزين كالجرسيفي، فيأتي بِما يَحمده التاريخ للأدب السوسي، على تكلف فيه ().

[90]

طور انتعاش الأدب السوسي

1189هـ - 1269 هـ

رأى معنا من يتتبع خطوات بحثنا المتقدم الأخير، أن ما ذكرناه من الطور الثاني من الفتور لا يستلزم انْمِحاء الأدب كل الانْمِحَاء في الأفكار السوسية، ومن بين تعاليمهم، فإن الاعتناء باللغة العربية لا يزال من موضوعات دراستهم العامة، وإن الرحلة إلى خارج سوس لا تزال مطردة في بعثاتِهم، ومن هذا يُدرك أن من بين ذلك الاعتناء باللغة، في كل ما يؤخذ من كليات المغرب الكبرى، بل ومن كلية مصر أيضا، انبعاث بعض بروق كنا نتراءاها تومض طَوال ذلك الطور الثاني.

والبرق إن لَم يكن خلَّبا يتبعه انْهِمَار الغيث، ثم انتعاش الأرض، وهذا هو عين الواقع؛ فإن المدرسة الحضَيْجيَّة التي كنا حكمنا عليها قبل بأنَّها لا تُعير لفتة خاصة إلى الأدب، وإن كانت تدرس من اللغة العربية مادة له كبرى، وكان لعميدها الحضيجي تَمكن كبير في اللغة مذكور ()، وهي بعينها التي رأينا من بين خريجيها ثلة قليلة أبقت آثارا وأخبارا تدل على أنَّها تقدر هذا الفن قدره؛ فكان العجب أن رأينا من أتباع الحضيجي ما رأينا، على حين أن آخرين كانوا يومضون في جواء الأدب من معاصريه؛ كالجرسيفي، والأزَاريفي، وغيرهم ممن ذكروا في الطور الثاني.

لَم نر لَهم أتباعا يظهر منهم الميل إلى هذه الوجهة، فكانت إحدى عجائب المدرسة الحضيجية، فإنَّها غير أدبية، مع أنَّها خرجت أدباء؛ كأحمد الهَوْزيوي ()، و (التَّازمورتي)، وابن زَكري، وإبراهيم الحاحي، ومُحمد بن عمر (الأسفَاركيسي) كما أنَّها غير طبية مع أنّها خرجت مثل أبي العباس ابن الحضيجي حافظ الكتب الطبية العليا، فكذلك كتب لتلك المدرسة بطيب سريرة مؤسسها أن تؤدي خدما جليلة عظيمة في نواح شتى في المعارف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير