وقصائد مُختارة، مستقى ما يَمدهم به الأستاذ مِما يشحذ به أفكارهم، ثُم وراء ذلك إملاءاته ومنشداته التي يَحضهم على كتابتها، ثُم حفظها، هذا ما ذكره أبو زيد، وهذا القدر كاف في إدراك مقدار اعتناء الهوزيوي بِهذا الفن اعتناءا كبيرا، فلا غرو أن رأينا من تلاميذه مثل أبي زيد الجشتيمي، أبي النهضة التي سنتعرض لَها في الطور الرابع بِحول الله.
ثُم إن الهوزيوي مع هذا الاعتناء، لَم يتخرج به في الأدب -فيما نعلم مِمن كان له أثر مَحسوس- إلا أبو زيد، وقد ألَم أبو زيد لذلك، فأشار إلى قلة من كانوا يعنون بالأدب من بين تلاميذ الأستاذ الكثيرين، الذين لا يرون بالفقه وبِمثله من العلوم التي تنفق أسواقها وحدها في سوس إذ ذاك بديلا، فلم يكونوا ليأبَهوا بغيرها، متأثرين بالرأي العام [93] المدرسي، ناظرين إلى ما لعله يكون مصدرا لثبات مستقبلهم الحيوي، على حين أن الأدب في نظر بيئتهم إنَّما هو فن الفكهين السادرين في غلوائهم، وفن من يتغزل تغزلا يترفع عن سفاسفه أهل الوقار العلمي، وما أكثرهم في كل عصر!.
انتقلت هذه الحركة التي تُحاول إنعاش الأدب العربي في مَجلس الدراسة من تارودانت إلى المدرسة الجشتيمية، فوضع الله البركة في الْحَركة الجشتيمية، فانبثت بِها روح سرت إلى غيرها، إمَّا بالأخذ من عندها، وإمَّا بالمنافسة، كما سنتعرض له من آثار عند غيرها.
والخلاصة: أن في منبثق فجر هذا الطور، رجالا تيسر لَهم أن كانوا أحياء في عهد واحد، فرأينا بعض آثار قليلة تبادلوها فيما بينهم وهي تكون أحيانا دون ما رأيناه في الطور الثاني -طور الفتور- في مَجموعه، ولكن هذا الطور الثالث- وإن كان دور ذلك في الإنتاج الفكري بِحسب ما عندنا- يَمتاز عليه باعتناء هذه المدرسة الهوزيوية، ثُم الجشتيمية بعدها، بنشر الفن بقدر المستطاع؛ لأن كلا عميدي المدرستين مطوق بأن يعتني بكل الفنون على اختلافها، وأن يلازم الوقار العلمي الرسمي، ثُم لَم نر من أحدهما أريحية إلا في خلسة، فكان ذلك علة واضحة لكون هذا الإنعاش بطيء السير، ثُم لَم تظهر آثاره إلا بعد حين، وذلك أيضا علة لقلة الآثار الأدبية عن عميدي هاتين المدرستين، حتى إن الهوزيوي نفسه مع هذا الاعتناء لَم نقف له إلى الآن على أثر، وهناك القاضي مُحمد بن صالِح الأديب ()، فقد كنا وقفنا له على بعض آثار لا بأس بِها، ثُم وقفنا أخيرا على ديوان له جَمع فيه قصائد كثيرة، وغالبها إمَّا في الجانب النبوي، وإمَّا في أمير عهده مولاي سليمان، وهي قواف لَم تحظ كثيرا من البيان والبلاغة إلا بقليل، على رغم ما قال في ابن صالِح قرينه أبو زيد الجشتيمي، بأنه شاعر مفلق ().
هذه خلاصة ما عندنا عن هذا الطور الثالث، فلنسق بعض ما يقبل من بعض آثار هذا الطور، ولنختر ما يستعذب.
[94] قال ابن زكري الولتي النحوي الأديب:
الْمَجد حيث مدار السبعة الشهب
هيهات يدركه من لَم يكن بأبي
وهِمة الْمَرء لا تعدو بصيرته
بقدر نظرته يسمو إلى الطلب
كل له أرب لكن أخو قصر
في الهم ليس له في المجد من أرب
إن كان لا بد للإنسان من أمل
فليأمل المجد فوق السبعة الشهب
قال في صغره وهو يتمرن على الشعر وهو عجيب من مثله في مثله بيئته:
سعد الوقت وشفت البرح
وتبدى في حلاه القدح
دارت الكأس على أهل الهوى
في صباح ضاحك فاصطحبوا
والصبا قد عانقت بين الربا
زهرا يندي زهاه المرح
باكر الوسمي منه ناعما
وجهه من لونه ينشرح
فكساه حلة ناصعة
من رآها يزدهيه الفرح
تتدلى نقط الماء كما
اغرورق الدمع بِجفن يضح
ونظيم الدر في أغصانه
كأعالي النخل فيها بلح
وقال مُحمد بن صالِح القاضي:
أنى أعير مسامعي للاحبي
والروض يدوعنا إلى الأقداح
والصادحات سواجع بغنائِها
والزهر ينفح بالشذى الفواح
قم واستنيها صرخدا مَمزوجة
واجهر بذاك على عيون اللاحي
وال الكئوس وكلما ناولتني
اصفع قفا لاح لِحاك وقاح
إن الربيع ربيع من يبغي الصفا
وعناق خَوْد في الرياض رَدَاح ()
هذا نسيم الروض رق كأنه
نفس الحبيب أنمته بوشاحي
والْجَو صاف وجهه فكأنه
حبب تبسم من رحيق صباح
من لَم يكن بصبوحه متمتعا
والدهر ساعد والزهور ضواح
والسعد يَحدو بالربيع مسرة
في بَهْجة بفقاقع الأقداح
فالرمس أولى ما يصبحه به
دهر حباه فعقه بِجماح
[95] وقال عمر بن عبد العزيز الجرسيفي في رسالة لأديب كتب إليه بشعر:
¥