تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما ذكرناه آنفاً يتعلَّق بالتمثيل إذا لم يكن يتعبد به لله, ولم يتَّخذ ديانةً, ولم يلصق باسم الدين, وإما إذا نُسِب هذا التمثيل إلى الدين -والدين منه براء- فحينئذ يصبح الأمر أشد, وينتقل العبد به من المعصية إلى البدعة, كون هذا التمثيل محدثاً في الدين, ولم يكن على عهد رسول الله الأمين, ولا صحبه المرضيين, ولا أتباعهم من سلفنا الصالحين, ولا شكَّ أن البدعة أشدُّ وأحبُّ إلى إبليس من المعصية, كما قال الإمام الثوري -رحمه الله-.

قال الشيخ بكر -رحمه الله-: «(التمثيل الديني)! لا عهد للشريعة به، فهو سبيل محدَث، ومن مجامع ملة الإسلام قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ... وفي (التمثيل الديني) يأتي التسلق إلى تمثيل أنبياء الله ورسله، والصحابة من المهاجرين والأنصار، وإلى عظماء الإسلام كافة.

وكان من أبشع ما رأى الراؤون ما عمله ذاك الشقيُّ طه حسين في كتابه «على هامش السيرة»: إنه ليس في حقيقتها، ولكن على هامشها بالاختلاق للتسلية.

إنها محاكاة دينية لإلياذة اليونان، وأساطير الرومان!». «حكم التمثيل» (ص28 - 41) [بتصرف].

قلت: أي أن طه حسين كتب هذا الكتاب على هامش سيرة المصطفى لا للوعظ والتذكر والتعليم للأمة, بل لمجرد التسلية!! وتقليداً لأساطير الرومان! قاتله الله, أي استهزاء وإلحاد أعظم من هذا؟!

ثم يتابع الشيخ بكر قائلاً: «أجمع القائلون بالجواز المقيَّد، على تحريمه في حقِّ أنبياء الله ورسله -عليهم والصلاة والسلام- وعلى تحريمه في حقِّ أمهات المؤمنين زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وولده -عليهم السلام- وفي حقِّ الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم-. فنسأل المجيز مقيّداً والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». وهو الذي حرَّم -صلى الله عليه وسلم- المحاكاة، وحرّم الكذب، فلماذا نهدر هذه الحرمات في حقِّ بقية سلف هذه الأمة وصالحيها؟ وفيهم العشرة المبشرون بالجنة، وأعمام النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولُحمة قريش وسُداها -ممن أسلموا- هم عشيرته وقراباته -صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أوصى بعترته «أهل بيته» وهكذا في كوكبة الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أقول: اللهم إني أبرأ إليك من إهدار حرمات المسلمين أو النيل منها.

وقد أغنانا الله بقرآن يُتلى، فيه أنواع القصص والعبر، بل فيه أحسن القصص». «حكم التمثيل» (ص42 - 43) [بتصرف].

قلت: صدقت وربِّ الكعبة ..

حكم تمثيل الأنبياء والصحابة والصالحين:

أما تمثيل الأنبياء والمرسلين, والصحابة والصالحين, فلا أحسب مسلماً عاقلاً عنده مسكة عقل ودين يُقِرُّه, بله الإفتاء بجوازه, وتأييد فاعليه, وقد «صدر قرار من المنظمات الإسلامية العالمية المنعقدة في دورتها في مكة المكرمة في ذي الحجة سنة 1390هـ، جاء فيه ما نصه: قرَّر المؤتمر استنكاره الشديد لمحاولة إخراج فيلم سينمائي يُمثَّل فيه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بأية صورة من الصور, أو كيفية من الكيفيات، كما يستنكر تمثيل الصحابة -رضوان الله عليهم-، ويناشد المؤتمر كلَّ الحكومات الإسلامية أن تقضي على هذه المحاولة في مهدها». «البحوث العلمية لهيئة كبار العلماء» (4/ 142).

وقد حاول بعضهم! قديماً أن يمشِّي هذا التمثيل الباطل لقصص الأنبياء, ويفتي بجوازه بحجة أنه وعظ مؤثِّر في عوامِّ النَّاس, فتصدَّى لهم جهبذ زمانه, وعالم عصره وأوانه الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله تعالى- (ت:1354هـ) صاحب مجلة «المنار» و «تفسير المنار».

قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: «وأما تمثيل قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فقد علَّلوه بأنه درس وعظ مؤثر، يعنون أنَّ كلَّ ما كان كذلك فهو جائز، وهذه الكلية المطوية ممنوعة، وتلك المقدمة الصريحة غير متعيِّنة، فإن هذه القصص قد توضع وضعاً منفِّراً، فلا تكون وعظاً مؤثراً، وإن من الوعظ المؤثر في النفوس ما يكون كلُّه أو بعضه باطلاً، وكذباً وبدعاً، أو مشتملاً على مفسدة أو ذريعة إليها، ويشترط في جواز الوعظ أن يكون حقًّا لا مفسدة فيه، ولا ذريعة إلى مفسدة.

وبناء على هذا الأصل ننظر في هذه المسألة من وجوه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير