«ويحصل ذلك عندما يمثل الرجل دور أحد الكفرة؛ فيحاكي أفعاله و يتلفظ بأقواله، وهو مجتهد في إتقان ذلك متفاعل فيه، كما حصل لبعضهم حين مثَّل نفسه من أهل الجاهلية، فسجد للقبر، بمشهد من الناس, وكما حصل لآخر حينما مثل دور رئيس دولة كافر، فسبَّ الإسلام وصرَّح بخطره على الحضارة، وتناول من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, كل ذلك وقع بحضرة ملأ من الناس, وأمثاله كثير.
ولا شكَّ أن هذا العمل كفر مخرج من دين الإسلام، علي أيِّ وجه قام به «الممثل».
قال -تعالى-: ? .. وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .. ? [التوبة:64 - 65].
.. قال الإمام أبو بكر الجصاص على هذه الآية: «فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه؛ لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعباً، فأخبر الله عن كفرهم باللعب ذلك .. إلى أن قال: فأخبر أن هذا القول كفر منهم على أي وجه قالوه من جِدٍّ أو هزل، فدلَّ على استواء حكم الجادِّ والهازل في إظهار كلمة الكفر». «أحكام القرآن» (3/ 142).
وقال الإمام أبو بكر بن العربي على هذه الآية: «لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدًّا أو هزلاً، وهو -كيفما كان- كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر, لا خلاف فيه بين الأمة .. إلخ». اهـ من «أحكام القرآن».
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في آخر «نواقض الإسلام»: «ولا فرق في جميع هذه النواقص بين الهازل, والجاد، والخائف، إلا المكره, وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً؛ فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه» ..
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرحه لكتاب «التوحيد»: «أي أنه يكفر بذلك، لاستخفافه بجانب الربوبية والرسالة، وذلك منافٍ للتوحيد.
ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئاً من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه, أو برسله, أو بدينه كفر، ولو هازلاً لم يقصد حقيقته الاستهزاء إجماعاً».اهـ
فتبين من كلام هؤلاء العلماء وحكاياتهم الإجماع: أن من تلفظ بكلمة الكفر -ولو هازلاً-؛ فهو كافر, فما هو حال العامل بالكفر هزلاً؟
قال العلامة بن حجر الهيتمي -عفا الله عنه-: «وقد أجمع السلف والخلف على حكايات مقالات الكفرة والملحدين في كتبهم ومجالسهم، لبيانها وردها.
وإن كان على وجه الحكايات والأسمار، والظرف وأحاديث الناس، ومقالاتهم في الغث والسمين, وهو الكلام الجامع لاختلاف الدلالات: حسناً وقبحاً؛ إذ الغث: الهزيل، ونوادر السخفاء، والخوض في قيل وقال، وما لا يعني, فكلُّ هذا ممنوع منه، وبعضه أشد في المنع والعقوبة من بعض.
وقد سأل رجل مالكاً عمَّن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال مالك: كفر, اقتلوه.
فقال: إنما سمعته عن غيري. فقال مالك: إنما سمعناه منك».اهـ «الإعلام بقواطع الإسلام» (2/ 385).
وقد جاءت أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من الحلف بملةٍ غير ملة الإسلام, سواء كان الحالف كاذباً أو صادقاً.
ففي الصحيحين- وغيرهما- عن ثابت بن الضحاك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال» الحديث.
وفي سنن النسائي عن بريدة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً».
صححه النسائي كما في «فتح الباري» (10/ 539)». «إيقاف النبيل» (ص67 - 70) [بتصرف].
6ـ مخالفة ظاهر القرآن بتحريفهم بعض تفاصيل القصَّة, والنقل عن الإسرائيليات واعتمادها بدل صحيح السنة:
¥