تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد واجهني هذا السؤال أثناء وقبل كتابتي واختياري لهذا الموضوع للبحث فيه ولدراسة فكر الحداثة العربية، حيث شغلني هذا البحث على مدى سنين وأيام طوال مرت كأنها الدهر. فوصل بي المقام أن أصبح الكتاب الحداثي ملازما لي في حلي وترحالي. فأثناء إعداد هذه الدراسة قدر لي زيارة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثناء زيارتي للقبر الشريف كان بيدي كتابا لأحد الحداثيين، فلما مررت بالقبر سألني أحد (الشيوخ) الذي يقف لتنظيم الناس للمرور بالقبر عما أحمله! فأخبرته، فسألني عن محتوى الكتاب فأجبته. فأخذ يسدي لي النصائح بعدم الاشتغال بهذا الفكر، وعدم جدوى القراءة لهؤلاء. ونصحني –كغيره من الأصدقاء المخلصين- بأن هذا الجهد لو بذل في شئ آخر لكان أفضل وأكثر نفعا .. فهل الكتابة في هذا الموضوع من باب الترف الفكري، ومما يندرج تحت ما لا فائدة فيه من العلوم؟ أم من العلوم الواجب تعلمها (بمعنى فرض الكفاية)؟ هل المنهج الصواب الولوج من هذا الباب والتخصص فيه؟ أم الأفضل البقاء على الأطراف والسير حول حماه؟ هل من فائدة عملية وعلمية يرجوها الباحث من هذه الدراسة؟ أم هي مجرد أفكار نظرية بعيدة عن التطبيق؟ ما الذي يرجو الباحث إضافته في هذه الدراسة؟ وهل للباحث سابق عليه في البحث؟ وهل يحتاج إلى تأصيل ليكتب في مثل هذا الموضوع؟ أسئلة كثيرة وقف عندها الباحث طويلا، وحاكت في صدره قليلا قبل وأثناء الكتابة، إلى ان شرح الله صدره للموضوع.

فإن الحداثة المعاصرة في أيامنا هذه انتقلت من حديث القاعات المغلقة، والصالونات السياسية، والمقاهي الثقافية، والنخب الفكرية، فصارت إلى حديث الشارع ووصلت إلى مسامع الخلائق، فلم يبق لصاحب رسالة أن يقف مستمعا ومشاهدا دون أن يقدم لذلك شيئا. ولقد استوقفتني مقابلة مع أحد مخرجي السينما المصرية، بعد أن أخرج فيلما عربيا أثار استهجانا وضجة شعبية في الشارع، وهما المخرجان: خالد يوسف ويوسف شاهين. فقال في إحدى الصحف المحلية: لقد آن للفكر التنويري أن يصبح فكر الجماهير، ويخرج من قوقعة النخب الثقافية .. وذكر د. محمود اسماعيل (وهو أحد الحداثيين المغمورين) قال: (لقد عبر فكر النهضة بامتياز عن تواجد شاحب لبورجوازية هزيلة وغير فاعلة، لذلك ظلت مشروعات الإصلاح حبيسة عقول النخبة المفكرة، دون مردود شعبي يذكر، كما أن الإنجازات كانت جد محدودة). فهذا الكلام الذي يذكره طبق واقعيا فانتقلت الحداثة إلى الشارع الشعبي من خلال عرض أفكارها على شبكات التلفزة على شكل أعمال فنية تروج لهذا الفكر كما وأصبح لهم منابر يتحدثون من خلالها عبر اللقاءات الإعلامية على القنوات الفضائية، وما يصدرونه من فتاوى غريبة، وما يجدوه من قبول لدى الجماهير غير مسبوق، سوى الكتب والمنشورات التي تمتلئ بها المكتبة العربية اليوم.

والأمر الآخر الذي شجع الباحث للكتابة في هذا الموضوع، أن علماء كبار من الأمة قد ردوا على شبهات عصورهم من أهل الكلام والمبتدعة وغيرهم، من أمثال الغزالي في تهافت الفلاسفة وفي المنقذ من الضلال، وابن تيمية في منهاج السنة وفي درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، والإمام الأشعري قبلهم، وقبله الإمام الشافعي. وفي كل عصر برز علماء للذب عن الإسلام والرد على شبهات الخصوم، فلم يكن الباحث بدعا من العمل.

ولقد استغرق الباحث ما يقرب من ثلاث سنين في بحثه، قام خلالها بقراءة العديد من كتب الحداثيين العرب، وبعض الكتب المترجمة من الفكر الغربي قراءة نقدية، سوى المقالات وتصفح المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية وغيرها. حتى أصبح الكتاب الحداثي ملازما له في حله وترحاله.

وقد واجهت الباحث العديد من الصعوبات كان أبرزها صعوبة الحصول على الكتاب الحداثي لقلة تداوله في بلادنا مما اضطره إلى السفر عدة مرات إلى بيروت ودمشق للحصول على الكتاب الحداثي، وقد قدر له خلال هذه السفرات الالتقاء مع عدد من الحداثيين وإجراء حوار ونقاش معمق معهم، فكان منهم أن التقيت بنصر حامد أبو زيد في بيروت قبل أشهر من وفاته وتم عقد نقاش هادئ استمر قرابة ثلاث ساعات بحضور اثنين من تلاميذه وكان نقاشا جميلا أُلزم فيه الحجة في بعض المسائل، واختبر الباحث قدرته على مناظرة أساطين الحداثة، كما والتقى الباحث في اسطنبول بالدكتور خيري قرباش وهو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير