تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَنَّ التَّقْلِيدَ الَّذِي يَرَى امْتِنَاعَهُ هُوَ (اتِّخَاذُ أَقْوَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بِمَنْزِلَةِ نُصُوصِ الشَّارِعِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلٍ سِوَاهُ , بَلْ لَا إلَى نُصُوصِ الشَّارِعِ , إلَّا إذَا وَافَقَتْ نُصُوصَ قَوْلِهِ. قَالَ فَهَذَا هُوَ التَّقْلِيدُ الَّذِي أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ , وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْأُمَّةِ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ). وَأَثْبَتَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَالشَّوْكَانِيُّ فَوْقَ التَّقْلِيدِ مَرْتَبَةً أَقَلَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ , هِيَ مَرْتَبَةُ الِاتِّبَاعِ , وَحَقِيقَتُهَا الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ , عَلَى حَدِّ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَقَالَتَنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا). غَيْرَ أَنَّ التَّقْلِيدَ يَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَظْفَرْ الْعَالِمُ بِنَصٍّ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ , وَلَمْ يَجِدْ إلَّا قَوْلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ , فَيُقَلِّدُهُ. أَمَّا التَّقْلِيدُ الْمُحَرَّمُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ , ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَعْدِلُ إلَى التَّقْلِيدِ , فَهُوَ كَمَنْ يَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُذَكَّى. وَالتَّقْلِيدُ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ , أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَجِدْ الْوَقْتَ لِذَلِكَ , فَهِيَ حَالُ ضَرُورَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ. وَقَدْ أَفْتَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ , وَقَالَ: إذَا سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ أَعْرِفْ فِيهَا خَبَرًا أَفْتَيْت فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ , لِأَنَّهُ إمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {لَا تَسُبُّوا قُرَيْشًا , فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلَأُ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا}.

تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ:

17 - قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: اخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّقْلِيدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ , فَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَلْزَمُهُ , وَاخْتَارَهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَلْزَمُهُ , وَرَجَّحَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ وَالنَّوَوِيُّ , وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم لَمْ يُنْكِرُوا عَلَى الْعَامَّةِ تَقْلِيدَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَبَعْضِهِمْ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ. وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُقَلِّدُونَ مَنْ شَاءُوا قَبْلَ ظُهُورِ الْمَذَاهِبِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ , إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ , وَلَا يَتْبَعُ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ عَنْهُ بِتَقْلِيدٍ سَائِغٍ , أَيْ بِتَقْلِيدِ عَالِمٍ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَفْتَاهُ.

ويقول الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله في قواعد الأحكام:

قَاعِدَةٌ فِيمَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ وَمَنْ تَجُوزُ طَاعَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير