تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجود الكائنات بدون مشيئة

# ولهذا لما قال غيلان القدري لربيعة بن عبد الرحمن يا ربيعة نشدتك بالله أترى الله يحب أن يعصى فقال له ربيعة أفترى الله يعصى قسرا فكأنه ألقمه حجرا يقول له نزهته عن محبة المعاصي فسلبته الإرادة والقدرة وجعلته مقهورا مقسورا # وقال من عارض القدرية بل كل ما أراده فقد أحبه ورضيه ولزمهم ان يكون الكفر والفسوق والعصيان محبوبا لله مرضيا # وقالوا أيضا يأمر بما لا يريده وكل ماأمر به من الحسنات فإنه لم يرده وربما قالوا ولم يحبه ولم يرضه إلا إذا وجد ولكن أمر به وطلبه # فقيل لهم هل يكون طلب وإرادة واستدعاء بلا إرادة ولا محبة ولا رضا هذا جمع بين النقيضين فتحيروا # فأولئك سلبوا الرب خلقه وقدرته وإرادته وهؤلاء سلبوا محبته ورضاه وإرادته الدينية وما يصحبه أمره ونهيه من ذلك فكما أن الأولين لم يثبتوا أن الشخص الواحد يكون مثابا معاقبا بل إما مثاب وإما معاقبه فهؤلاء لم يبينوا أن الفعل الواحد يكون مرادا من وجه دون وجه مرادا غير محبوب بل إما مراد محبوب وإما غير مراد ولا محبوب ولم يجعلوا الإرادة إلا نوعا واحدا والتحقيق أنه يكون مرادا غير

محبوب ولا مرضى ويكون مرادا من وجه دون وجه ويكون محبوبا مرضيا غير مراد الوقوع # والإرادة نوعان إرادة دينية وهي المقارنة الأمر والنهي والحب والبغض والرضا والغضب # وإرادة كونية وهي المقارنة للقضاء والقدر والخلق والقدرة # وكما تفرقوا في صفات الخالق تفرقوا في صفات المخلوق فأولئك لم يثبتوا له إلا قدرة واحدة تكون قبل الفعل وهؤلاء لم يثبتوا له إلا قدرة واحدة تكون مع الفعل # أولئك نفوا القدرة الكونية التي بها يكون الفعل وهؤلاء نفوا القدرة الدينية التي بها يأمر الله العبد وينهاه # وهذا من أصول تفرقهم في مسألة تكليف ما لا يطاق وانقسموا إلى قدرية مجوسية تثبت الأمر والنهي وتنفى القضاء والقدر وإلى قدرية مشركية شر منهم تثبت القضاء والقدر وتكذب بالأمر والنهي أو ببعض ذلك # وإلى قدرية إبليسية تصدق بالأمرين لكن ترى ذلك تناقضا مخالف للحق والحكمة # وهذا شأن عامة ما تتعارض فيه الأسباب والدلائل تجد فريقا يقولون بهذا دون هذا وفريقا بالعكس وفريقا رأوا الأمرين واعتقدوا

تناقضهما فصاروا متحيرين أو معرضين عن التصديق بهما جميعا أو متناقضين مع هذا تارة ومع هذا تارة # وهذا تجده في مسائل الكلام والاعتقادات ومسائل الإرادة والعبادات كمسألة السماع الصوتي ومسألة الكلام ومسأئل الصفات وكلام الله وغير ذلك من المسائل # وجماع القول في ذلك أن كل أمرين تعارضا فلا بد أن يكون أحدهما راجحا أو يكونا متكافئين فيحكم بينهما بحسب الرجحان ويحسب التكافؤ فالعملان والعاملان إذا امتاز كل منهما بصفات فإن ترجح أحدهما فهو الراجح وإن تكافئا سوى بينهما في الفضل والدرجة وكذلك أسباب المصالح والمفاسد وكذلك الأدلة بأنه يعطى كل دليل حقه ولا يجوز أن تتكافأ الأدلة في نفس الأمر عند الجمهور لكن تتكافأ في نظر الناظر وأما كون الشئ الواحد من الوجه الواحد ثابتا منتفيا فهذا لا يقوله عاقل # وأصل هذا كله العدل بالتسوية بين المتماثلين فإن الله تعالى يقول ^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ^ [سورة الحديد 25] وقد بسطنا القول في ذلك وبينا أن العدل جماع الدين والحق والخير كله في غير موضع # والعدل الحقيقي قد يكون متعذرا إما عمله وإما العمل به

لكن التماثل من كل وجه غير ممكن أو غير معلوم فيكون الواجب في مثل ذلك ما كان أشبه بالعدل وأقرب إليه وهي الطريقة المثلى # وقال سبحانه ^ وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها ^ [سورة الأنعام 152] # وعلى هذا فالحق الموجود وهو الثابت الذي يقابله المنفي والحق المقصود وهو المأمور به المحبوب الذي يقابله المنهى عنه المبغوض ثلاثة أقسام # فإنها في الحق المقصود إما أمر ترجحت المصلحة المحبوبة فيه وهذا يؤمر به # وإما أمر ترجحت فيه المفسدة المكروهة فهذا ينهى عنه # وإما أمر استوى فيه هذا وهذا فهذا لا يؤمر به ولا ينهى عنه ولا يترجح فيه الحب ولا يترجح فيه البغض بل يكون عفوا # وما دون هذا إن كان مثل هذا موجودا فإن الناس يتنازعون في وجوده فقيل هو موجود وقيل بل هو يقدر في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير