تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- وإما على عدم علمهم بأهميته، فخالفوه مع علمهم به، ولهؤلاء بَيَّنَ الكتابُ أهميّة معرفته وفوائده.

- وإما على عدم علمهم بالوسائل المُبلِّغة إليه وبمراتبها في قوة الدلالة عليه، فأخطأوا مع علمهم به وبأهميّته، ولهؤلاء بسطَ الكتابُ وسائل معرفته مُرتَّبة ترتيبًا تنازليًا.

- وإمّا على عدم علمهم بضرورة إحكامه، فغلطوا فيه مع علمهم به وبأهميته وبالوسائل المُبلِّغة إليه وبمراتبها، ولهؤلاء نبَّهَ الكتابُ على قواعد وأمثلة تُعين على إحكام عنوان الكتاب.

وعلى هذا النظر بنى المؤلفُ كتابَه، الذي جاء في مقدمة وخمسة مباحث، مشفوعة بفهرس لأسماء الكتب المُصوَّبة العناوين على حروف المعجم بأسمائها التي طبعت عليها، ودليل للموضوعات.

فجاء المبحث الأول تحت عنوان: (ما العنوان الصَّحيح؟)، وفيه عرَّف المؤلفُ (العنوانَ) لغةً واصطلاحًا، فرجَّح تسميته بذلك لأنّه: أبرزُ ما في الكتاب وأظهرُهُ. قلتُ: نقل حاج خليفة عن التفتازاني في حاشية الكشاف، قوله: "عنوان الشيء: ظاهره الذي يدلُّ على باطنه إجمالاً، وكذلك علوانه". وعرَّفَهُ المؤلفُ في الاصطلاح بأنَّه: اللفظ أو الألفاظ التي تكون على واجهة الكتاب وطُرَّته، ويُرادُ بها أن تكون علامةً للكتاب تُميِّزه عن غيره من الكتب، وتُنْبئُ عن مضمونه. ثم أشار إلى (اسم الكتاب)، وأنّه مغاير للعنوان لغةً، أمّا في عُرف الاستخدام فواحدٌ غالبًا، لأنَّ جُلَّ المؤلِّفين يضعون أسماء مؤلفاتهم على أبرز مكان في الكتاب وأظهره، أي: على غلافه. وتلك الغلبة في اتِّحاد الاسم والعنوان جعلت الأصلَ أنَّ الاسم هو العنوان، فلا نخرجُ عن هذا الأصل إلا بدليل، كالمخالفة القطعيَّة بينهما (وسيأتي بيان ذلك).

وبعد هذا التمهيد أجاب المؤلفُ سؤال المبحث بتعريفه للعنوان الصحيح للكتاب بأنَّه ((الألفاظ التي يضعها مؤلف الكتاب نفسه على أوَّل ورقة من كتابه، أو بعبارة أخصر: هو العنوان الذي وضعه مؤلف الكتاب، دون تغيير شيىءٍ فيه)) [ص:11].

وعلَّل ذلك بثلاثة أسباب:

الأول: أنَّ صاحب الحق في عَنْوَنَةِ الكتاب وتسميتِه هو مؤلفه، وهذه أخصِّ خصوصيَّاته. وأشار إلى أنّ التدخُّل بتغييره أو تبديله من قِبَلِ المحقق ((فيه اعتداءٌ على أعظم حقوق المؤلف، واستهانةٌ واستخفافٌ بعلمه وعقله، لا نقبله لأنفسنا، فكيف نقبله لغيرنا؟!! فالكتاب ابنُ المؤلف، وعنوانُه كاسم ابنه؛ فهل يحق لأحدٍ أن يُغيَّر اسم ابنك ... ؟!!)) [ص:18].

الثاني: أنَّه إذا كان عملُ المحقق إخراج متن الكتاب أقرب ما يمكن إلى أصل مؤلفه، فذلك في العنوان أوجب وأحق.

الثالث: أنّ العنوان في حقيقته هو الكلمة أو الكلمات التي تختصر الكتاب بصفحاته ومجلَّداته، وتعتصر معانيه في تلك الأحرف التي تُرقم على واجهة الكتاب، وهذا أمرٌ خطيرٌ ودقيقٌ. لذلك فأقدر الناس على مثل هذه المهمّة الجليلة كاتبُ الكتاب ومُنْشِئُه، إذ هو الذي عاش مع فكرته قبل أن تولد، وهو الذي وضع عناصره، وقسَّم أبوابه وفصوله، وحرَّر قضاياه ومسائله، وكتبه حرفًا حرفًا، وله بين سطوره وكلماته معانٍ بواطنٍ لا يعلمها إلا هو.

ونبّه المؤلف أنَّه لا يجوز التدَّخل في إصلاح خطأ المؤلف في عنوانه– إن صحَّ وصفه بالخطأ-، لأن القارئ يُقْدِمُ على قراءة الكتاب المُحقَّق ليعرف مؤلِّفَه ومبلغَ علمِه، لا المحقِّق وعلمه. ثم يقول: ((ولولا تجرؤ بعض المحققين على مخالفة هذه البدهيّة، لما تجشمتُ الكلام عنها والاستدلال لها!)) [ص:19].

قلتُ: وأرى أنّه من المناسب لتكتمل الصورة، وتتابع تفاصيلها، أن أُذكِّر بأن بعض المخطوطات تكون خاليةً من العنوان، إمَّا لفقد الورقة الأولى منها، وإما لخرق موضع العنوان بفعل الأَرَضَة ونحوها، أو بتلاعب المُغْرِضين، وإما لانطماس العنوان، بفعل الرُّطوبة، أو بالضرب عليه بالحبر من قبل المتلاعبين. وهناك حالة أخرى يثبت فيها على النسخة عنوان واضح جلي، ولكنه مخالف للواقع، مغاير للعنوان الصحيح، وذلك سببه إمّا الجهل، أو السهو، أو الخطأ في الاجتهاد لمعرفة العنوان، أو التزييف المُتعمَّد، وداعي التزييف قد يكون نفسيًّا كالحقد، أو تجاريًّا ابتغاء ربح أكثر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير