تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعرض المؤلف بعد ذلك لحالة عدم وضع مؤلف الكتاب عنوانًا لكتابه، وهذا يقع غالبًا في حال موت المؤلف عن مُسَوَّدة الكتاب، أو يكون الكتاب فتوى عابرة أو رسالة لم يُفكر المؤلف بوضع عنوان لها، أو يكون حاشية لأحد العلماء على نسخة من كتاب عنده كان يُعلِّق عليها ما عَنَّ له من فوائد، أو كُنَّاشةً أو كشكولاً أو تذكرةً لم يُسمِّها المؤلف بشيء، وضرب مثلاً بتاريخ وفاة الشيوخ الذين أدركهم البغوي، وبمعجم السَّفَر للسِّلَفي.

وينبِّه مؤلفُنا أنَّه لا يُكتفى بعدم وجود عنوان لنسخة مخطوطة للقول بأن المؤلِّف لم يُعَنْوِن كتابه، لأنه كثيرًا ما تسقط صفحة العنوان، أو يُخلُّ الناسخُ بكتابته. فإذا جاء الخبر المُوثَّق بعدم وضع المؤلف عنوانًا لكتابه، كأن يخبرنا بذلك تلميذ المؤلف أو أحد العلماء المُتثَبِّتين، ولم نجد ما يدفع ذلك الخبر، فقد أسقط صاحبُ الحق حقَّه في تسمية كتابه، وأباح لنا الاجتهاد في وضع عنوان لكتابه يؤدِّي غرض التعريف بمضمونه، لكن اجتهادنا يجب أن يكون اجتهادًا علميًّا منضبطًا:

• فإن كان للكتاب نُسَخ خطيّة متعدِّدة، اتَّفقت جميعُها على تسمية واحدة، لَزِمَ حينها عدمُ مخالفتها، خاصةً لو كان في هذه النسخ نسخةٌ أو أكثر موثوقٌ بها، كنسخة تلميذ المؤلف مثلاً. لأن هذا يدل على اشتهاره بهذا الاسم وإن لم يُسمِّه مؤلفه. وبذلك يتولَّى مؤونة تسميته غيرنا، ويُرتاح من مَغبَّة الاجتهاد فالخطأ.

• وكذا إذا لم يكن للكتاب إلا نسخة واحدة، وعليها عنوان، لزم اعتماده، خاصةً إذا كان العنوانُ واضحًا في التعبير عن مضمون الكتاب. أمَّا إذا كان مخالفًا كُلَّ المخالفة، فنلجأ حينها للمُرَجِّحات التالية. قلتُ: وقد يصحُّ فيه تفصيلٌ.

• فإن اختلفت النُّسخ في عناوينها، أو لم نجد عنوانًا، فعلى المحقق إعمال ذهنه والاجتهاد في اختيار الأقرب والأصح مع ملاحظة الآتي في العنوان المختار:

- الأول: العنوان الذي على أوثق النُّسخ، كنسخة تلميذ المؤلف.

- الثاني: الأكثر وضوحًا في التعبير عن موضوع الكتاب.

- الثالث: الأكثر شهرةً عند أهل العلم.

قلتُ: وفيه نظرٌ وإجمالٌ، يأتي بعضُ تفصيلِه في وسائل معرفة العنوان الصحيح. وينبغي التنبيه أنَّه في حال عدم وضع المؤلف عنوانًا، وعدم ذكره في أيٍ من المصادر، يجب على المحقق الاجتهاد في تسميته، بما يُعبِّر عن مضمونه -كما أشار الباحث-، وأيضًا بما يُشعر بوضعه من قِبَل المحقق، ولا يوهم بصدوره عن المؤلف، ومن ذلك تسميته بـ "كتاب في كذا" ونحوها. وقد وقع لي شيىءٌ من ذلك عند تحقيقي لـ (قصيدة في وصف الجنّة والتشويق لها) لابن الموصلي (ت 774هـ)، وكنت قد اعتمدتُ على نسخة فريدة، رأيتُ أنها بخط الناظم، الذي لم يُسمِّها، فاخترتُ لها أولًا اسمًا أدبيًا مناسبًا، ثم وجدتُ الأمر مُوهِمًا، فضلاً عن كونه ليس بحقٍ لي، فعدلتُ عنه إلى الاسم المذكور. هذا مع ملاحظة أنّ تسمية الأشعار والقصائد عرفٌ حديثٌ في الغالب.

• وهناك صورة أخرى قليلة الحصول: وهي وضع المؤلف عنوانين أو أكثر لكتابه: ولها حالتان:

- الحالة الأولى: أن يُغيِّر المؤلفُ العنوان من اسم إلى آخر يرتضيه. وحينها يجب النزول عند رغبة المؤلف الأخيرة، لأن تصرُّفَه هذا أشبهَ النَّسْخ، فيكون المتأخر ناسخًا للمتقدم. ومن أمثلة ذلك: (تاريخ الإسلام) للذهبي، فقد سمَّاه أولاً بـ (تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام)، ثم غيَّر لفظ (طبقات) إلى (وفيات).

- الحالة الثانية: أن يُسَمِّي المؤلف كتابه باسمين، يُخيِّرُ بينهما! وضرب أمثلة على ذلك منها: كتاب المرادي، فقال في مقدمته: ((سميته: أخبار الأعصار في أخيار الأمصار، ويليق أيضًا أن يُسمَّى: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر)). فاشتهر الاسم الثاني، وهُجر الاول، ولولا ذلك لكان الاسم الأول أولى، لما يقتضيه سياق ذكره من أنه هو المُقدَّم عند المؤلف. وذكر أمثلة أخرى، منها كتاب خيَّر المؤلفُ قارئَه بين عشرة أسماء!

انتقل المؤلف بعد ذلك للتذكير بأهمية معرفة العنوان الصحيح للكتاب، فذكر من أسبابها:

• الأول: أنّ عنوان الكتاب هو أبرزُ ما فيه وأظهرُه، كما سبق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير