تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخلاصة هذا الخلاف عند الأحناف،هو الأخذ بالمعتمد رواية ومذهباً، لاسيما وأن غيرالمشهور من ظاهر الرواية اختلف فيه، فمن ذاهب إلي أنه يشمل جواز الرمي قبل الزوال في جميع الأيام، ومن ذاهب إلي أن ذلك يختص بيوم النفر كما سبق بيانه، ولا ننسى أن نذكر هنا أننا نتكلم عن اليوم الأول خاصة، ولكننا ندخل فيه الكلام عن الرمي قبل الزوال في الجميع، لضرورة نقل الأقوال من الكتب التى ذكرت حكم الرمي عموماً، واليوم الأول منها فيشمله حكمها، ولأن الأحناف اختلفوا في تأويل غير ظاهر الرواية، اختلافاً يوجب ذكر هذا التفصيل.

ثالثاً: ـ ما روي عن بعض الحنابلة وبعض الشافعية وغيرهم من العلماء: ـ

فقد نقل عن بعض الحنابلة جواز الرمي قبل الزوال كما سبق ومنهم: ـ

(1) ابن الزاغواني في منسكه.

(2) ابن الجوزي.

ولم ينقل عنهم أدلة ذلك، إلا أن أهل المذهب رفضوا أقوالهم، واعتبروها خارجة عن المذهب.

ونقل عن بعض الشافعية ومنهم: ـ

(1) الإسنوي.

(2) الرافعي.

(3) الإمام ا لجويني.

كما نقل عنهم صاحب التحفة.

ولم يذكر عنهم أدلة كذلك.

ونقل عن غير هؤلاء ومنهم: ـ

(1) أبي جعفر علي بن محمد الباقر.

(2) عكرمة.

(3) ابن طاووس.

(4) عطاء في إحدى الروايتين عنه وطاووس كذلك.

ولعل أدلة هؤلاء هي نفس الأدلة السابقة.

الخلاصة: ـ اجتمع معنا في اليوم الأول على جواز الرمي قبل الزوال إمام من الأئمة الأربعة، وجمع من علماء المذهب الشافعي، وجمع من علماء المذهب الحنبلي، وبعض التابعين العالمين بمناسك الحج، الذين انتهى إليهم الافتاء في مواسمه، كعطاء بن أبي رباح، وطاووس وغيرهما.

وبالرغم من أن أدلة الجمهورأقوى، إلا أن أدلة غير الجمهور لها حظ من النظر، بحيث يمكن القول بأنها أخرجت المسألة إلى حيز الخلاف المعتبر، وقد سبق بيان ذلك في صدر البحث، حينما ذكرنا الأئمة الذين أوردوا الخلاف في المسألة، وهذا مما يُعطي مجالاً لاعتبار هذا القول وعدم إهماله، لاسيما أنه قول عمل به في بعض العصور كما نقله أحد أئمة الحنفية ـ وقد سبق ـ وفي عهد ابن الزبير، وإن خالفه

ابن عمر، لورود ذلك صريحا عنه كما في الموطأ بسند صحيح رواه مالك عن نافع عن ابن عمر: ـ

" لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس ".

ومما يزيد هذا القول قوة، ما ذكرناه عند الكلام عن البيان، والذي ثبت أنه يشتمل على الواجبات والمندوبات، بما يُعطي مجالاً لاحتمال كون الوقت الذي رمى فيه، رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مندوباً، وأن جميع الليل والنهار وقت للرمي، وهذا مقتضى قياس مذهب الحنابلة في جعل كل يوم عرفة صالحاً للوقوف، وغير ذلك مما ذكرناه عند الكلام عن الأدلة التي اعتمد عليها المجيزون.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن موقفنا من هذه المسألة يتلخص في نقطتين: ـ

الأولى: ـ

مراعاة خلاف القائلين بجواز الرمي قبل الزوال، لما في بعض أدلته من النظر المعتبر، الذي يتوقف الذهن عنده، بحيث يظن المخالف أن الحق قد يكون معه، وهو ما يسميه العلماء (قوة المدرك) قال الجهرزي في المواهب السنية على نظم الفرائد البهية: ـ

" قال التاج السبكي: ـ فأن ضعف ونأى عن مأخذ الشرع كان معدودا من الهفوات والسقطات لا من الخلافيات، ونعني بالقوة: ـ وقوف الذهن عندها، وتعلق ذي الفطنه بسببها، لا انتهاض الحجة، إذ لو أنتهضت لما كنا مخالفين لها أ. هـ ثم قال:

ـ لا نظر إلى القائل، بل إلى قوله وقوة المدرك وضعفه، وهو مما لا تنتهي إلى الإحاطة به إلا الأفراد، وقد يظهر الضعف أو القوة بأدنى تأمل، وقد يحتاج إلى تأمل وفكر، ولابد أن يقع هنا الاختلاف في الاعتداد به، ناشئا عن أن المدرك قوي أو ضعيف " أ. هـ

فهكذا قرر السبكي أن مراعاة الخلاف مستحبة، ولو لم تنتهض حجته عند المخالف، إذ لو لو انتهضت لما حصل خلاف أصلا، وظهر من كلامه أن الخلاف الذي لا يقف الذهن عنده لا اعتبار به، كما قال القائل: ـ

وليس كل خلاف في الشرع معتبر ** إلا خلاف له حظ من النظر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير