وقال العدوي في حاشيته (2/ 4): (الإمام إذا طلب منه أن يذهب إلى جهة للقتال فيها فإنه يتعين عليه أن يوافقه على ما أمر به).
وقال القرطبي في الجامع (8/ 142): (إنّ الإمام إذا عين قوماً وندبهم إلى الجهاد لم يكن لهم أن يتثاقلوا عن التعيين ويصير بتعيينه فرضاً على من عيّنه لا لمكان الجهاد ولكن لطاعة الإمام والله أعلم).
وقال ابن حجر: في الفتح (6/ 39): (وجوب تعين الخروج في الغزو على من عيّنه الإمام)
قلت: وقد بوّب البخاري باباً سمّاه (وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية)
وقال ابن قدامة في (المغني) (9/ 163): (إذا استنفر الإمامُ قوماً لزمهم النفير معه لقول الله تعالى: (يا آيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم ... إلى الأرض ... ).
وقال ابن تيمية في الفتاوى (28/ 80): (فيكون فرضاً على الأعيان مثل أن يقصد العدو بلداً أو مثل أن يستنفر الإمام أحداً.)
ثالثها: عند حضور الصف.
ويكون الجهاد فرض عين أخيراً عند حضور القتال حتى لو لم يكن من أهل الفرض العيني فلو قُدِّر أنّ رجلاً لا يلزمه الجهاد العيني لبعد بلده عن بلد مسلم هاجمه العدو، وكان في البلد المُهاجم ما يكفي من الجند لدحر العدو وهزيمته فتطوع للجهاد معهم فلما حضر الصف بدا له ألا يجاهد حُرم عليه الرجوع وترك الجهاد.
الأدلة:
1/ قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار .. )).
2/ قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون)).
قال ابن سعدي: ((أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية والقوة في أمره والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان)).
قلت: (والآية التي استدل بها ابن سعدي – رحمه الله – على تحريم الفرار محلّ خلاف بين العلماء.).
قال الطبري: - رحمه الله – في تفسيره (9/ 201): (واختلف أهل العلم في حكم قول الله عز وجل (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة) .. هل هو خاص في أهل بدر أم هو في المؤمنين جميعاً؟
فقال قوم: هو لأهل بدر خاصة؛ لأنّه لم يكن أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدوه وينهزموا عنه فأما اليوم فلهم الانهزام).
قلت: والثبات للعدو حال الزحف واجب ما دام العدو مثل أو مثلى المسلمين عدداً فإن زادوا عن ذلك جاز للمسلمين الفرار أو الانحياز إلى فئة مؤمنة؛ لأنّ الله تعالى حدّ المصابرة بالضعفين تخفيفاً على الأمة فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين ... ).
قال الجصاص في الأحكام (4/ 250): (فإنهم مأجورون بالثبات لهم إذا كان العدو مثلهم فإن كانوا ثلاثة أضعافهم فجائز الانحياز إلى فئة من المسلمين يقاتلون معهم).
وقال الشافعي في الأم (4/ 169): (فإذا غزا المسلمون أو غُزوا فتهيأوا للقتال فلقوا ضعفهم من العدو حُرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة):
قلت: وتقييد الإمام الشافعي- رحمه الله- الملاقاة بالضعف في قوله: (فلقوا ضِعْفَهم) بناءً على آية المصابرة في سورة الأنفال حيث يقول الله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) [الأنفال: 66: كما تقدم بيانه.
قال الجلال السيوطي في (الجلالين ص 385) (خبر بمعنى الأمر: أي لتقاتلوا مثليكم، وتثبتوا لهم).
قال صاحب المهذب (2/ 232): (وإذا التقى الزحفان، ولم يزد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين، ولم يخافوا الهلاك تعين عليهم فرض الجهاد).
وقال صاحب المغني (9/ 163) (إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف، وتعين عليه المقام).
3 - القول الثالث:
ذهب أكثر العلماء إلى أنّ الجهاد فرضُ كفاية في أصله إلا في أحوال خاصة – تقدم ذكرها -.
وقال ابن النحاس في المشارع (1/ 98): (اعلم أنّ جهاد الكفار في بلادهم فرض كفاية باتفاق العلماء ... وحكى عن ابن المسيب وابن شبرمة أنه فرض عين).
¥