وقد روى عن ابن عمر نحو ذلك وإن كان مختلفاً في صحة الرواية عنه .. وروى عن عطاء وعمر بن دينار نحوه .. )
قلت: وقد نَقَلَ القُرطبيُ في الجامع (3/ 38) عن المهدوي وغيره عن الثوري أنّه قال: الجهاد تطوع.
ثم نقل كلام ابن عطية – معلقاً على عبارة الثوري – قال: وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل، وقد قيم بالجهاد، فقيل له ذلك: تطوع الثانية.
شروط الجهاد في المذاهب الأربعة:
(1) الأحناف:
قال الكاساني في بدائع الصنائع (7/ 98): (فصل: وأما بيان من يفترض عليه فنقول: إنه لا يفترض إلا على القادر عليه فمن لا قدرة له، لا جهاد عليه .. فلا يفترض على الأعمى والأعرج والزمن والمقعد والشيخ الهرم والمريض والضعيف الذي لا يجد ما ينفق. ولا جهاد على الصبي والمرأة لأنّ بنيتها لا تحتمل الحرب عادة).
(2) المالكية:
قال في مختصر خليل (1/ 101): (الجهادُ فَرْضُ كفاية ولو مع والٍ جاء على كلّ حرّ ذكر مكلف قادر).
الشافعية:
قال الشربيني في الإقناع (2/ 556): (وشرائط وجوب الجهاد حينئذ سبع خصال: الأولى: الإسلام، والثانية: البلوغ، والثالثة: العقل، والرابعة: الحرية، والخامسة: الذكورة، فلا جهاد على امرأة لضعفها، والسادسة: الصحة .. والسابعة: الطاقة على القتال بالبدن والمال.
(4) الحنابلة:
قال ابن قدامة: المغني (9/ 163): (ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، والسلامة من الضرر، ووجود النفقة).
خلاصة القول في شروط الجهاد:
وبعد أن استعرضت أقوال أئمة المذاهب في شروط الجهاد يمكن تلخيص ما ذكروه – رحمهم الله – في الشروط التالية:
1/ الإسلامُ: وهو شرط لوجوب سائر الفروع، ولأنّ الكافر غير مأمون في الجهاد.
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلمّا كان بحرة " الوبرة " أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لاتبعك وأصيب معك, قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: لا، قال:" فارجع فلن استعين بمشرك" قالت: ثم مضى حتى إذا كنا " بالشجرة" أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة قال:" فارجع فلن أستعين بمشرك" قال ثم رجع فأدركه "بالبيداء" فقال له: كما قال أول مرة" تؤمن بالله ورسوله" قال: نعم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فانطلق) [مسلم: 1817].
قلت: والحديثُ صريحٌ في منع غير المسلم من الجهاد مع المسلمين فالرجل عرض نفسه مراراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معروف بشجاعته ونجدته وجرأته، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرحون بمقدمه ومع ذلك أبى النبي صلى الله عليه وسلم الاستعانة به.
2/ البلوغ:
والبلوغ كذلك شرط من شروط وجوب الجهاد، لما يتطلب من قوة البدن، وصلابة البنية ولما في الحديث الصحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال: عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزي، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني) [مسلم: 1867].
3 / العقل:
قال ابن قدامة (المغني: 9/ 163): (والمجنون لا يتأتى منه الجهاد) وقال الشنقيطي في الأضواء (8/ 174): (فمن المتفق عليه ما أخرج من عموم خطاب التكليف كالصغير والنائم، والمجنون، لحديث" رفع القلم عن ثلاثة".
قلت: والحديث رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة،عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق) [ابن حبان: 142] [الحاكم: 8169] [ابن خزيمة: 1003].
4 / الحرية:
ويشترط كذلك لوجوب الجهاد الحرية لأنّ منفعة العبد لسيده فلا يجاهد إلا بإذنه ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع العبيد على الإسلام دون الجهاد.
5 / الذكورة:
¥