4/ روى البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤمّ البيت لا جوار معها، لا تخاف إلا الله " ووجه الدلالة: خروج الظعينة بلا محرم.
5/ قالوا: ولأنّه سفر واجب، فلم يُشترط له المحرم كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار.
الترجيح والمناقشة:
وبالنظر في أدلة الفريقين، يتضح بجلاء رجحان القول الأول لصحة وصراحة وعموم الأدلة التي استدلوا بها فضلاً عما رواه الشيخان من حديث ابن عباس فإنه نصٌّ في سفر الحج وكذا ما رواه الدارقطني عنه.
وأما الإجابة عن أدلة الفريق الثاني فأقول مستعيناً بالله:
1/ أما الدليل الأول والثاني والثالث [3]
فليس له أدنى إشارة إلى جواز حجّ المرأة بلا محرم وإنما هو لبيان السبيل فحسب مع استلزام الشروط الأخرى لأنّ حكم المسألة الشرعية، يؤخذ عن طريق جمع الأدلة كلها وتأملها.
قال ابن قدامة (5/ 32): " ويحتمل أنّه أراد أنّ الزاد والرحلة يوجب الحج مع كمال بقية الشروط ن ولذلك اشترطوا تخلية الطريق، وإمكان المسير، وقضاء الدين، ونفقة العيال، واشترط مالك إمكان الثبوت على الراحلة وهي غير مذكورة في الحديث واشترط كل واحد منهم في محلّ النزاع شروطاً من عند نفسه لا من كتاب ولا من سُنّة فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط "
وقال ابن المنذر: " تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل واحد منهم شروطاً، لا لحجة معه عليه " (المغني 5/ 31).
وأما الجواب عن الدليل الرابع:
فيقال: هو وصف الحال، لا يترتب عليه حكم الإباحة، أو الإقرار ومثله أحاديث كثيرة تصف الحال منها:
1/ حديث أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات من جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل فئة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم، لعلّي أكون أنا الذي أنجو)) [مسلم: 2894].
2/ حديث أبي هريرة أيضاً – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قطحان يسوق الناس بعصاه "
[البخاري: 3329] [مسلم: .... ]
3/ حديث أبي هريرة أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمرّ الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ن وليس به الدّين إلا البلاء " [البخاري: 6698] و [مسلم: 157].
قلت: فهل يقول أحد بجواز الاقتتال على ذهب الفرات أو إقرار القطحاني على سوق الناس بعصاه أو مشروعية التمرغ على القبر وتمنى الموت بإطلاق.
وجواب آخر: وعلى فرض أنّ حديث الظعينة دال على مشروعية سفر المرأة بلا محرم، فإنّ ذلك إشارة إلى استتاب الأمن وشيوعه، وإنتشار الطمأنينة في أرجاء الجزيرة فلا يُخشى من قَطع طريق، أو بطش ظالم وحينئذ إذا سادت تلك الأحوال فأمنت النساء، وأطمأن الناس فلا مانع من سفرها بلا محرم والله أعلم.
وأما الجواب خامساً عن قولهم بأنّ سفرها للحج الواجب قياساً على تخلصها من أيدي الكفار.
فسبق القول أنّ أحاديث النبي – وهو أعلم – لم تفرق بين سفر واجب ومستحب أو بين الحج وغيره كما تقدم.
وأما سفر المرأة لوحدها من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين فسفر ضرورة، وبقاؤها في بلاد الكفار أبلغ خطراً من سفرها إلى بلاد المسلمين.
قال ابن قدامة في المغني (5/ 32) " وأمّا الأسيرةُ إذا تخلّصت من أيدي الكفار فإنّ سفرها ضرورة لا يُقاس عليه حالة الاختيار، ولذلك تخرج فيه وحدها، ولأنّها تدفع ضرراً متيقناً بتحمل الضرر المتوهم فلا يلزم ذلك من غير ضرر أصلاً "
سفر المرأة بوسيلة نقل جماعية:
غير غائب عن البال ما استحدث في هذا العصر من وسائل النقل الجماعية من طائرات وقطارات وحافلات حيث تنتفي الخلوة، وتنتظم الرحلات في مواعيد مجدولة، ومسارات جوية أو برية محدودة فهل يتغير الحكم وفقاً لتغيير الوسيلة؟
بالنظر إلى أقاويل وفتاوى علماء العصر في حكم السفر في هذه الوسائل العصرية نجدهم قد اختلفوا عل قولين:
1/ القول الأول:
¥