قال الترمذي: والعملُ في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة وغيرهم، وهكذا رُوي عن بعض فقهاء التابعين أنهم يقولون:" لا نكاح إلا بولي" منهم سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وشُريح , وإبراهيم النخعي وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم.
وبهذا القول يقول سفيان الثوري, والأوزاعي، ومالك, وعبد الله بن المبارك والشافعي, وأحمد , وإسحاق.
وقال ابن رشد الحفيد في (بداية المجتهد 2/ 10):" ذهب مالك إلى أنه لا يكون النكاح إلا بولي وأنها شرط في الصحة"
وقال البغوي في شرح السُنّة (9/ 40): " والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم "
ونقل الحافظُ عن ابن المنذر في (الفتح 9/ 187) قوله: " إنّه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك "
قال شعيب في حاشيته على شرح السُنّة للبغوي (9/ 41) " وقد جعل الإمام الطحاوي في معاني الآثار (2/ 4) أبا يوسف، ومحمد بن الحسن في عداد من يقول إنّه لا يجوز تزويج المرأة نفسها إلا بإذن وليها "
قلت: وكذا نسب القول إليهما الجصاص الحنفي في تفسيره (1/ 401)
2 - روى الترمذي وغيره عن عائشة – رضي الله عنها – ((أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها مهر المثل بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له))
(الترمذي 1108) وحسّنه، وقال الحافظُ: " وصحّحه أبو عوانه وابنُ خزيمة، وابنُ حبان والحاكم " [الفتح 9/ 184]
ثانياً: قولُ أبي حنيفة
قال الحافظ في الفتح (9/ 187):" وذهب أبو حنيفة إلى انه لا يُشترط الولي أصلاً، ويجوز أن تُزوِّج المرأةُ نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤاً، واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخصّ بهذا القياس عمومها- وهو عمل سائغ في الأصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس - لكنّ حديث معقل المذكور رفع هذا القياس "
وقال ابنُ عابدين في حاشيته (3/ 55) " وأمّا حديث " أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل". وحسّنه الترمذي وحديث " لا نكاح إلا بولي " رواه أبو داود وغيره فمعارض بقوله صلى الله عليه وسلم " الأيّمُ أحقُّ بنفسها من وليها " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ.
والأيّمُ من لا زوج لها بكراً أو لا، فإنّه ليس للولي إلا مباشرة العقد إذا رضيت،وقد جعلها أحقُّ منه به، ويترجح هذا بقوة السند والإتفاق على صحته بخلاف الحديثين الأولين فإنهما ضعيفان أو حسنان، أو يجمع بالتخصيص, أو بأنّ النفي للكمال أو بأنّ يراد بالولي من يتوقف على إذنه- أي لا نكاح إلا بمن له ولاية- لينفى نكاح الكافر للمسلمة والمعتوه والعبد والأمة .. "
قلتُ: وقد ذهب إلى هذا القول زُفر، والشعبي, والزهري, ومحمدُ بن سيرين, وقتادة (انظر الجصاص 1/ 401).
هذا وقد ذهب الجصاص الحنفي في تفسيره (1/ 400) إلى الاستدلال بأية الجمهور لتأييد مذهب أبي حنيفة فقال: " ولا تعضلوهن " معناه: لا تمنعوهن أو لا تضيقوا عليهن في التزويج وقد دلت الآية من وجوه على جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي ولا إذن وليها:
أحدهما: إضافة العقد إليها من غير شرط إذن الولي.
الثاني: نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان.
قال: " ونظيرُ هذه الآية في جواز النكاح بغير ولي قوله تعالى: " فإن طلّقها فلا تحل له من بعد تنكح زوجاً غيره، فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا "
قد حوى الدلالة من وجهين على ما ذكرنا، أحدهما: إضافته عقد النكاح إليها في قوله: " حتى تنكح زوجاً غيره " والثاني: " فلا جناح عليهما أن يتراجعا " فنسب التراجع إليهما من غير ذكر الولي ".
وقال: " ومن دلائل القرآن على ذلك قوله تعالى " فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "
¥