فجاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي، وفي إثبات شرط الولي في صحة العقد نفي لموجب الآية.
واستدل الجصّاصُ للأحناف كذلك، بحديث سهل بن سعد الساعدي في قصة الواهبة الذي رواه الشيخان ولفظ مسلم: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصّعد النظر إليها وصوّبه ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلمّا رأت المرأة أنّه لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها .. . الحديث وفي آخره قوله عليه السلام ... ((اذهب فقد ملّكتكها بما معك من القرآن))
قال الجصّاصُ: " ولم يسألها هل لها وليٌ أم لا؟ ولم يشترط الولي في جواز عقدها " أنظر: الجصاص 1/ 410.
قلت: ويحسنُ قبل سوق بقية الأقوال والترجيح بينها تعريف " الأيم " لما لهذه اللفظة من أهمية في إدراك وجوه الخلاف بين الأئمة في هذه المسألة.
تعريف الأيم لغة:
قال الفيومي في المصباح (ص 13): " الأيم ": العَزَب: رجلاً كان أو امرأة، قال الصنعاني: وسواء تزوج من قبل أو لم يتزوج فيقال: رجل أيّم وامرأة ايّم ..
وقال ابن السكيت أيضاً: فلانة أيّم إذا لم يكن لها زوج بكراً كانت أو ثيباً، ويقال أيضاً: أيمة للأنثى ...
وتأيم: مكث زماناً لا يتزوج، والحرب مأيمة؛ لأنّ الرجال تقتل فيها فتبقى النساء بلا أزواج، ورجل أيمان ماتت امرأته، وامرأة أيمى مات زوجها، والجمع فيهما أيامى.
وقال السندي في حاشيته (6/ 84): " الأَيِّم، بفتح، فتشديد تحتية مكسورة في الأصل: من لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً.
وقال الزرقاني: في شرحه على الموطأ (3/ 164): " الأَيِّم " بكسر التحتية لغة: من لا زوج له رجلاً كان أو امرأة، بكراً أو ثيباً ".
3 / قول آخر لمالك: أنّ اشتراط الولي سُنّة لا فرض.
قال ابن رشد الحفيد في البداية (2/ 10) عن مالك " أنه يجوز للمرأة غير الشريفة أن تستخلف رجلاً من الناس على إنكاحها، وكان يستحب أن تقدم الثيب وليها ليعقد عليها فكأنّه عنده من شروط التمام لا من شروط الصحة "
4/ قول داود الظاهري:
قال ابن رشد (2/ 10) " وفرّق داود بين البكر والثيّب فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الثيب "
قلت: ولعل مستنده في الحديث المشهور: " لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيّم حتى تستأمر "
5/ قول أبي ثور:
قال الشوكاني في النيل (6/ 119): " قال أبو ثور: يجوز لها أن تزوّج نفسها بإذن وليها أخذاً بمفهوم قوله: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها "
الترجيحُ والمناقشة:
وبالنّظر في أدلة أهل العلم في هذه المسألة يترجح رأي الجمهور بلا ريب لصراحة الأدلة وقوتها، ولإجماع الصحابة على القول بوجوب اشتراط الولي في النكاح كما هو ظاهر قول ابن المنذر.
قال ابنُ عبد البر في (التمهيد 19/ 90): " فقد صرح الكتاب والسُنّة بأن لا نكاح إلا بولي فلا معنى لما خالفهما "
الجواب عن أدلة الحنفية:
1 - أما حديث: " الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليها " فمحمول على اشتراط تصريحها بالموافقة على النكاح لا مجرد السكوت كالبكر بدليل سياق الحديث، والأحاديث المشابهة في وجوب التفريق بين البكر والثيب من حيث قبولهما النكاح لا من حيث اشتراط الولي بدليل أنّ أخت معقل بن يسار – الذي فيه نزلت آية المنع من العضل – كانت ثيباً.
قال الشافعي: " والثيب والبكر لا تنكح واحدة منهما بغير ولي إلا أنّ الثيب لا ينكحُها أبٌ ولا غيره إلا بأمرها، وينكح الأب البكر من بناته بغير أمرها لأنّه أحقُّ بها من الثيب " [التمهيد: 19/ 95].
2 - وأما الاستدلال بآية منع العضل على جواز النكاح بلا ولي فهو غاية في الغرابة!!
ذلك أن معقلاً أدرى بدلالة الآية من الأحناف وقد صرّح أنّه قد امتثل التوجيه القرآني وزوّج أخته بعد معرفته للحكم فقال: " الآن أفعل يا رسول الله " ولو كان الأمر ليس إليه لما قال: " الآن أفعل "!
3 - وأما قوله تعالى: " حتى تنكح زوجاً غيره " فهذه الآيةُ في المُطلّقة ثلاثاً، أنّها لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجاً غيره، أي يطأها، فالنكاح هنا يراد به الجماع لا التزويج.
¥