وقد نقل القرطبي عن النحاس قوله: " وأهل العلم على أنّ النكاح هاهنا الجماع " أنظر: (الجامع: 3/ 98).
وأما نسبة التراجع إليها بقوله " فلا جناح عليهما أن يتراجعا " فهذا صحيح لكن مشروط بإقامة حدود الله،ومن حدود الله اشتراط الولي في النكاح فقال سبحانه: " فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ".
4 - وأما قوله تعالى: " فلا جُناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "
فالمراد كما قال القاسمي – رحمه الله – في محاسن التأويل 1/ 571 " فيما فَعَلَن في أنفسهن " من التعرض للخُطاب والتزين، " بالمعروف " أي بوجه لا ينكره الشرع وفيه إشارة إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرع فعليهم أن يكفوهن عن ذلك وإلا فعليهم الجناح "
5 - وأمّا الجواب عن حديث الواهبة فمن وجوه:
* أمّا هبتها نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلم- فإنّ الواهبات أنفسهن من خصائصه عليه السلام ويختلفن في نكاحهن عن النكاح المعروف.
* وأمّا تزوجها من الصحابي فإنّها قد وكلّت النبي صلى الله عليه وسلم في تزويجها، ويدلُ عليه قوله عليه السلام " ملكتكها بما معك من القرآن "
قال ابن القيم في حاشيته (6/ 101): " فإنّ الموهوبة كانت تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلت أمرها إليه فزوجها بالولاية ".
الجواب عن قول الإمام مالك:
وأمّا الجواب عن قول الإمام مالك في الرواية الأخرى، فأقول إنّ التفريق بين الشريفة والوضيعة في مسألة الولي تفريق يعوزه الدليل فلا يُعوّل عليه سيما والمشهور عنه موافقته للجمهور كما تقدم.
الجواب عن قول داود:
وأما قول داود فغاية ما يحتج له به حديث الاستئذان في حقّ البكر والاستئمار في حق الثيب وقد تقدم أنّ التفريق هو في كيفية معرفة جواب كل منهما فيكتفي من البكر بالصمت، وأمّا الثيب فيشترط الكلام الصريح وهو ما يُعبّر عنه بالاستئمار والله أعلم.
ثم إنّ أدلة اشتراط الولي لم تفرّق بين البكر والثيب كما حكاه الشوكاني في معرض ردّه على الظاهرية كما في نيل الأوطار (6/ 120).
الجواب عن قول أبي ثور:
قال الشوكاني:: ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة المذكور أي: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإنَ الزانية هي التي تزوج نفسها " ذكر هذا في النيل (6/ 120).
وقال: أيضاً: في (6/ 125): " وتُعقب بأنّ إذن الولي لا يصحُّ إلا لمن ينوب عنه، والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأنّ الحق لها، ولو أذن لها في إنكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح".
الخلاصة
والخلاصة أنّ إناطة تزويج المرأة للولي ليس فيه هضم لحقوقها، أو حطٌ من مكانتها بل العكس هو الصحيح، إذ لا يخفى لكلّ من تأمل بموضوعية وإنصاف أنّ كل ما في الأمر صيانة المرأة المجبولة على الحياء عن التبذل، وصفاقة الوجه، وحفظها من الاحتكاك المباشر بالرجال الأجانب، سيما في موضوعات حساسة كهذه، ذات علاقة وثيقة بالفروج، كما أن من مقاصد الشارع في هذه القضية صون المرأة عن الاستغفال، أو الاستغلال إذ أنّ الموافقة على الزواج من رجل ما يستدعي بحثاً وسؤالاً عن دينه وأخلاقه ووضعه الاجتماعي، وهذا يتطلب طرقاً لأبواب الغير واتصالاً بذوي العلاقة المباشرة بالخاطب وتلك لعمري أمور تعفّ عن خوضها ذوات الخدور المحصنات.
الأحكام المترتبة على تزويج المرأة نفسها بلا ولي:
ذكر أهل العلم أحكاماً تترتب على تزويج المرأة نفسها بلا ولي – طبقاً – لاختلافهم في اشتراط الولي من عدمه، وقد ذهب جماهير أهل العلم إلى بطلان النكاح بلا ولي، ووجوب فسخه.
المالكية:
قال ابن جزي في القوانين (1/ 133): " الباب الثالث في الولي، وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: في حكمة وهو شرط واجب خلافاً لأبي حنيفة،فلا تعقد المرأة النكاح على نفسها ولا على غيرها بكراً كانت أو ثيباً أو دنية رشيدة أو سفيهة، حرة أو أمة , أذن لها وليها أم لم يأذن فإن وقع فسخ قبل الدخول وبعده، وإن أطال وولدت الأولاد، ولا حدّ في الدخول للشبهة وفيه الصداق المُسمّى".
الشافعية:
¥