أما من يرى صحة الحديث فيزول الإشكال إذا استحضرنا أن جواب ابن بسر هو فهمه لما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو مقدم على غيره وفيه أنه ينفي الإثم عمن صام السبت، فهو فهم من حديث النهي أنه لا يحرم صوم السبت إلا أن ترك صومه أولى لذا زهَّد السائلَ في صومه فقال " لا لك " ثم بين له أنه لا يحرم صومه فقال " و لا عليك "، وهذا المعنى غير بعيد فقد قال ابن تيمية في معرض ذكره للأقوال في سرد الصوم ج10/ 393 " هو مكروه كما دلت عليه السنة وان كان جائزاً " و قد صوب هذا الرأي، وهذا الفهم لكلام ابن بسر أولى بكل تأكيد من أخذ بعض كلامه رضي الله عنه و ترك الآخر الذي يدل دلالة لا مفر منها على كونه لا يرى حرمة صيام السبت، والله أعلم.
الإشكال الثامن
صوم داود عليه السلام
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيام داود عليه السلام هو أفضل الصيام، وهو أن يصوم المرء يوماً ويفطر يوماً، وهذا يعني أن من يصوم هذا الصيام سيصوم السبت في أسبوع ويفطر السبت في الأسبوع التالي ثم يعود لصومه في الأسبوع الثالث وهلم جرا، وقد سمعت للشيخ الألباني رحمه الله أكثر من رأي حول كيفية صيام يوم و إفطار يوم مع القول بحرمة السبت إلا أنه استقر أخيراً على أن من صام الأربعاء يصوم الجمعة ثم الأحد، أما من صام الخميس فلا يصوم السبت ويصوم الأحد، فماذا ستكون النتيجة؟
إن من بدأ الصيام يوم الأربعاء سيصوم الجمعة ثم الأحد ثم الثلاثاء ثم الخميس ولن يصوم السبت بل سيصوم الأحد فالثلاثاء فالخميس فالأحد وهكذا، إذاً ستكون النتيجة أن يصوم الأحد والثلاثاء والخميس فقط من كل أسبوع، فهل ينطبق على هذا الصوم أنه صوم يوم و إفطار يوم؟
أما من بدأ الصوم يوم الخميس فسيصوم أيضاً الخميس والأحد والثلاثاء من كل أسبوع، وهذا ما لم يقل به أحد فيما أعلم.
فالذي يقول بحرمة صيام السبت في النفل مطلقاً سيبطل عملياً صيام داود عليه السلام و هو صيام يوم و إفطار يوم لأنه سيؤول عنده إلى صيام الأحد والثلاثاء والخميس من كل أسبوع، وفي هذا ما فيه.
الإشكال التاسع
الاستدراك على النبي صلى الله عليه وسلم
قال الشيخ رحمه الله في الشريط (204): خلاصة الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن صيام يوم السبت إلا في الفرض، فإذا قال قائل: لأ و إلا في عاشوراء و إلا في عرفة و إلا في أيام البيض، الله أكبر! أليس هذا استدراكاً على رسول الله؟ و زعماً ـ لا سمح الله ـ مش فصيح ومش عارف يحكي؟
الجواب:
1. أما الاستدراك فنبرأ إلى الله عز وجل منه، ونبرئ الأئمة الذين حملوا الحديث على كراهة صيام السبت منفرداً منه، كما نبرئ الأئمة الذين خالفوهم و أجازوا صيام السبت لضعف الحديث عندهم من عدم الإنكار على من استدرك على النبي عليه السلام.
2. إن صنيع هؤلاء الأئمة ليس استدراكاً على النبي صلى الله عليه وسلم و لا شبه استدراك كما ذكر الشيخ في موضع آخر بل هوحمل للحديث على معنىً يقبله لفظه كما فعل الترمذي أو جمعٌ بين النصوص التي وردت عنه عليه السلام في هذه المسألة، وقد مر بنا مثال من كلام الشيخ رحمه الله يوافق صنيع الأئمة في الجمع بين حديث النهي وحديث الصماء المفصل الذي ضعفه الشيخ رحمه الله و ذلك على فرض ثبوته.
3. مثال آخر من كلامه رحمه الله و ذلك في النهي عن الصلاة بعد الفجر والعصرحيث قال في الشريط 53: " كيف التوفيق بين لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس [يعني مع حديث تحية المسجد] ... فإن قلت لا أصلي تمسكاً بهذا الحديث جاءك حديث آخرإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ... فيصبح الأمر لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس و لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا، فيه [أي يوجد] استثناء، الاستثناءات كثيرة وكثيرة جداً" ثم ذكر رحمه الله أحاديث تدل على هذه الاستثناءات ثم قال:" لذلك العلماء المحققون جاؤوا بقاعدة تجمع بين الأحاديث الواردة في هذه القضية قالوا الصلاة المنهي عنها في الأوقات المكروهة هي النوافل المطلقة أما النوافل التي لها أسباب فلا تكره ... "، فأي فرق بين قوله رحمه الله والقول الذي أنكره و عده استدراكاً؟ الشيخ أدخل من كلامه استثناء على أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات الكراهة استفاده من الأحاديث الأخرى، والعلماء الذين قالوا بتوجه النهي في حديث السبت لإفراده أدخلوا
¥