تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد تعرض العلماء منذ أمد بعيد لهذه الانتقادات وأماطوا اللثام عنها، وبينوا أنها لا تقدح أبداً في أصل موضوع الكتاب، فهذا النقد لم يكن من قبل الطعن فيها بالضعف وعدم الصحة، وإنما كان من قبل أنها لم تبلغ الدرجة العليا التي اشترطها صاحبا الصحيح والتزمها كل واحد منهم في كتابه، كما يقول الإمام: النووي رحمه الله: " قد استدرك جماعة على البخارى و مسلم أحاديث أخلاَّ بشرطهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه " أهـ (شرح مسلم 1/ 27).

وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيه، ومردُّ ذلك إلى اختلاف وجهات النظر في التوثيق والتجريح شأنها شأن المسائل الاجتهادية الأخرى، وليس بالضرورة أن يكون الصواب فيها مع الناقد بل قد يكون الصواب فيها مع صاحب الصحيح، يظهر ذلك من خلال سبر الأحاديث المتكلم فيها، ونقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة العلم.

والعلماء الذين نقلوا إجماع الأمة على تلقي الكتابين بالقبول استثنوا هذه الأحاديث المنتقدة لأن هذه المواضع مما حصل التنازع فيه، ولذا لم يحصل لها من التلقي والقبول ما حصل لبقية الكتاب قال الإمام ابن الصلاح في مقدمته: " وأجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقبول سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره ". وقال في مقدمة شرح مسلم له - كما نقله عنه الحافظ ابن حجر -:" ما أخذ عليهما يعني على البخاري و مسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول " (هدي الساري 505).

فجَعْلُ انتقاد بعض الأحاديث في الصحيحين - لكونهما أخلا بشرطهما فيها في نظر الناقد مع كونها صحيحة، وقد يكون الصواب معهما - مبرراً كافياً للتشكيك فيهما، ورد أحاديثهما جملة ليس مسلك المنصفين، وإنما مبناه الهوى والتعصب.

وقد كفانا أئمة الإسلام وحفاظ الأمة الذين اشتغلوا بالصحيحين، وأفنوا فيهما أعمارهم بحثاً وشرحاً وتدريساً وتتبعاً وسبراً لأحاديثهما - مؤونة الرد على هذه الشبهة ودحضها.

فقد ذكر الإمام الحافظ ابن حجر - في مقدمة الفتح - أن عدد ما انتقد عليهما من الأحاديث المسندة مائتا حديث وعشرة، اشتركا في اثنين وثلاثين حديثاً، واختص البخاري بثمانية وسبعين و مسلم بمائة، وهذه الأحاديث المنتقدة إن كانت مذكورة على سبيل الاستئناس والتقوية، كالمعلقات والمتابعات والشواهد، أجيب عن الاعتراض عليهما بأنها ليست من موضوع الكتابين، فإن موضوعهما المسند المتصل، ولهذا لم يتعرض الدارقطني في نقده على الصحيحين إلى الأحاديث المعلقة التي لم توصل في موضع آخر، لعلمه بأنها ليست من موضوع الكتابين، وإنما ذكرت استئناساً واستشهاداً، وإن كانت من الأحاديث المسندة، فإما أن يكون النقد مبنياً على قواعد ضعيفة لبعض المحدثين خالفهم فيها غيرهم فلا يقبل لضعف مبناه، وإما أن يكون مبنياً على قواعد قوية فحينئذ يكون قد تعارض تصحيحهما أو تصحيح أحدهما مع كلام المعترض، ولا ريب في تقدمهما في باب التصحيح والتضعيف على غيرهما من أئمة هذا الفن، فإنهم لا يختلفون أن ابن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث، وعنه أخذ البخاري ذلك، ومع ذلك فكان ابن المديني إذا بلغه عن البخاري شيء يقول: " ما رأى مثل نفسه "، وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري، وقد استفاد ذلك منه الشيخان جميعاً، وقال مسلم: عرضت كتابي على أبي زرعة الرازي فما أشار أن له علة تركته، فإذا عرف ذلك تبين أنهما لا يخرّجان من الحديث إلا ما لا علة له، أو له علة غير مؤثرة عندهما، وهذا هو الجواب الإجمالي.

وأما الجواب التفصيلي فقد قسَّم الحافظ الأحاديث المنتقدة إلى ستة أقسام، تكلم عليها ثم أجاب عنها حديثاً حديثاً:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير