ـ[الاستاذ]ــــــــ[03 - 09 - 05, 06:17 ص]ـ
اعتذار مسبق
قال أبوعبدالرحمن: كان قدري أن أتابع (الفكر الخواجي) على مساره التاريخي فلسفة وأدباً وفناً جمالياً، وقد ضفّرت مرائر اكتسابي من ذلك المسار بترجمات عديدة .. كما أن المسار الفلسفي تظهره الترجمة بيسر، وقد ذكرت في أكثر من مناسبة أن الأستاذ أحمد الشيباني ـ رحمه الله ـ استجاب لملاحظتي على ترجمته لكتاب كانت: بأن الصواب العقل المحض - أو الخالص - لا المجرد، وأن الصواب رؤية القلب المباشرة لا الزكانة (على رغم من جهلي بالألمانية والإنجليزية)، ووعدد بملاحظة ذلك في الطبعة الثانية، ولكن الأجل اخترمه، إذن
المسار الفلسفي بخلاف الصورة الأدبية، فلا يظهرها إلا عدة ترجمات يُقارن بعضها ببعض، ويبقى مع ذلك الاحتمال .. وقد جربت هذا من المقارنة بين ترجمات الخيام في فلسفة الكوز، وأصدرت كتيباً في هذا منذ أكثر من عقدين، وبمقارنة لترجمات للزيات ودريني خشبه والعوا، وبمقارنة ترجمات لهاملت لشكسبير، والإخوة كارامازوف لدوستويفسكي، فأيقنت أن الترجمة الأدبية الواحدة غير موصلة.
وفي محاضراتي أجد متعة وانثيالاً في عرض أو محاكمة الفكر الخواجي .. إلا أن الرُّحَضَاءَ تعلوني إذا أردتُ النطق باسم العلم الخواجي، فأجد من ذلك شدة عظيمة؛ لأنه لم يتح لي تعلم لغة ثانية، وليس بعد هذا السن تعلم وإن كنت استجلبت كل وسائل التقنية لتعلم الإنجليزي .. خذ مثلاً «جان جاك روسو» إنني أنطقها براء ممدودة بالواو، وسين ممدودة بالواو .. وأخبرني الدكتور السويّل: أن المدّ في الراء قليل، وكذلك المد في السين، ونطقها لي بما يشبه «رُسُوْه» .. وسارتر أنطقها بسكون الراء الأولى، وفتح التاء، وتفخيم الراأين (6) .. ونطقها السليم بسين غير ممدودة كثيراً، وبكسر الراء، وبدون تفخيم للراأين .. وأنطق تولستوي بتاء ممدودة وواو مكسورة وياء .. وأعلمني الدكتور السويّل بعدم مدّ التاء كثيراً، وأن التاء الثانية مضمومة، وأن الواو والياء ساكنتان .. وهكذا نطق سبينوْزا، ودكْتُرْ.
قال أبوعبدالرحمن: إنما عنايتي بحذق النطق، والأعلام أجتهد في نطقها وإن لم أصب مخارج الخواجي، فطالما قال الطلعة منهم: مهمد، وهمود وأُمر ـ أي محمد، وحمود، وعمر ـ فلا يلقى تخجيلاً من أهل الضاد .. كما أن الترجمة مضللة مثل هاملت وكانت وكنت .. إلخ، فواجب على المترجم ألاّ يكتب حرف الإشباع إلا أن يكون مدة.
قال أبوعبدالرحمن: هذه حجتي ـ ولعلها كافية ـ أمام من عساهم أن يسمعوا بعض محاضراتي إذا أخللت بنطق بعض من طرأ عليّ اسمه من الخواجات، والله المستعان.
الحواشي
(1) المورد القريب لمنير البعلبكي، دار العلم للملايين، ص131.
(2) المغني الأكبر لحسن الكرمي، مكتبة لبنان، ص363.
(3) القاموس لهارفي يورتر، وجون ورتبت، ص128.
(4) الصواب مرادفة لها، وكاف التشبيه لغو؛ لأن المراد الوصف المطابق، لا التشبيه المقارب.
(5) بين تولستوي ودوستويفسكي تأليف جورج ستاينر 2/ 9 (حاشية المترجم).
(6) هذا هو الرسم الصحيح في اجتهادي، ولم أجد لأهل الرسم مسوغاً في تغيير الصورة، وذلك بكتابة رأس الهمزة وسط السطر.
ـ[الاستاذ]ــــــــ[05 - 09 - 05, 03:48 م]ـ
دوستويفسكي كما أعيشه
انتهى فكر دوستويفسكي إلى إيمان الربوبية، وإلى الإيمان المفصل وفق دين وصل إليه محرفاً أو مبدلاً مع أثارة صادقة، وأثارة أمرنا الله أن نقول تجاهها: {أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم} (سورة العنكبوت: 46).
وقد كرمني ربي بإيمان الربوبية والكمال والألوهية وفق الدين المحفوظ الناسخ لكثير من الشرائع، المصدِّق لحقائق الكتب قبله من الأخبار والأخلاق، إذ لا نسخ في ذلك، فالحمد لله كثيراً على نعمة الإسلام.
تحدث دوستويفسكي عن بطله في «الإخوة كارامازوف» ـ وهو فيودور بافلوفيتش كارامازوف ـ، وأنه من أكثر سكان منطقته شذوذاً وغرابة .. ووصف الشذوذ بأنه لم يكن عن غباوة، لأن أكثر هؤلاء الشاذين لا يعوزهم الذكاء والدهاء والمكر .. وإنما هو سخف .. سخف خاص .. سخف وطني.
هكذا جاء في الترجمة الوافية المحققة للدكتور سامي الدروبي.
وسقطت «السخف الوطني» من ترجمة ن. حاسبيني، فلعل دوستويفسكي أسقطها في الفصول التي نشرها بين عامي 1879 ـ 1880م (2)، خوفاً من قلم الرقيب، وقد نجا من عقوبة الإعدام .. وإنما يريد سخفاً روسياً عاماً في عصره.
¥