[التضمين النحوي في القرآن الكريم للدكتور محمد نديم فاضل]
ـ[ابن هشام]ــــــــ[28 - 01 - 2006, 04:21 م]ـ
وقفات مع أطروحة علمية بعنوان (التضمين النحوي في القرآن الكريم) لـ د. محمد نديم فاضل
.د. أحمد بن محمد الخراط
وكيل مركز الدراسات القرآنية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف.
بسم الله الرحمن الرحيم
يستوقف البحث العلمي في أدوات العربية مسألة دقيقة تحتاج إلى تأمل وبصيرة وفقه نافذ، وقد تناولها أهل العلم بالعربية، واختلفت فيها مذاهبهم، وتفرع على ذلك اختلافهم في وظيفة الكلم، وتعدد دلالاتها، ويتأكد البحث في المسألة أكثر إذا علمنا اتصالها بتفسير آي الذكر الحكيم، وهي مسألة: التضمين في الأفعال والحروف من خلال سياقها الدلالي.
وثمة دراسة علمية متميزة تمت مناقشتها أطروحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم بالخرطوم أعدها الباحث: محمد نديم فاضل، بعنوان ((التضمين النحوي في القرآن الكريم)) وقد طبعت مؤخراً، ونشرتها مكتبة دار الزمان بالمدينة المنورة في مجلدين. ولا أعلم دراسة علمية في المكتبة اللغوية القرآنية تناولت موضوع التضمين بمثل هذا السبر العميق، والاستعراض النظري ثم التطبيقي، مع المرور بطائفة واسعة من المظان الأصيلة التي ألمَّت بالمسألة.
من المعروف في أساليب العربية أن كل فعل من أفعالها يختص بتعدٍ معينٍ إلى حرف جر فلا يتجاوزه، ويطرد استعمال هذا الحرف مع ذاك الفعل في أساليب الفصحاء والبلغاء، وقد يقبل الفعل على نُدْرةٍ التعدّيَ إلى حرفيْ جر، ومن هنا حرصت المعاجم العربية منذ نشأت حركة التأليف المعجمي على رصد هذا التعدي، والنص عليه في مفردات المواد التي تستوعبها، فإذا أشكل على مستخدم للفعل تعيين هذا الحرف مع الفعل المعني عاد إلى المعجم، أو إلى ضرب من ضروب السماع الفصيح: من قرآنٍ كريم وحديثٍ شريف وشعرٍ وقولٍ منثورٍ يعود إلى عصور الاستشهاد اللغوي السالفة.
بيد أن ملاحظة تستحق النظر وتستوقف القارئ في كتاب الله إذ يجد أن الأفعال التي ترد في كثير من الآيات تخالف في تعديها إلى حرف الجر ما نصّت عليه معاجم اللغة، مع أن هذا الكتاب العزيز يمثل أعلى مراتب الفصاحة والبيان، فيلحّ عليه إشكال يتشوَّف إلى حلّه.
ذهب مصنفو كتب الأدوات العربية ومنها " رصف المباني " للمالقي و " الجنى الداني " للمرادي، و" مغني اللبيب " لابن هشام، و" مصابيح المغاني " للموزعي، ومعهم علماء الكوفة [1] وآخرون ممن سماهم ابن قيم الجوزية [2] بظاهرية النحاة إلى أن حرف الجر في هذه الظاهرة تضمَّن معنى حرف جر آخر، فالفعل إذاً باق ٍ على معناه المعهود، ولم تنتقل دلالته المعنوية إلى معنى فعل آخر، واختلاف المعنى محصور في الحرف، إذ اكتسب معنى حرف آخر يستحق هذه التعدية.
وممّن ينحو هذا المنحى في التفسير الإمام ابن قتيبة في كتابه " تأويل مشكل القرآن " [3] وقد عقد باباً بعنوان " دخول بعض حروف الصفات مكان بعض " [4]، ويستشهد على ذلك بقوله تعالى: ((ولأصلبنكم في جذوع النخل)) [5] فيرى أن حرف الجر " في " بمعنى " على "، والمعنى: على جذوع النخل، وبقوله تعالى: ((فاسأل به خبيراً)) [6] أي: عنه، وبقوله تعالى: ((وما ينطق عن الهوى)) [7] أي بالهوى، فحرف الجر " عن " بمعنى الباء.
أما ابن هشام في " مغني اللبيب " فقد عبّر عن هذا الباب بالمرادفة [8]، وأورد طائفة من الآيات على هذا المصطلح. ومن ذلك قوله تعالى: ((وهو الذي يقبل التوبة عن عباده)) [9] ويرى أن الحرف " عن " مرادف للحرف الآخر " من ". ويسير وَفق هذا الفهم ثلّة من أهل العلم الذين لا يتأمّلون في الفعل الذي سبق حرف الجر، ولا يرونه متجاوزاً دلالته المعنوية وإنما يرون حرف الجر قد تعاور حرفاً آخر.
¥